تحليلي لشهر فبراير 2025: التوجّهات، التقلبات، وما الذي ينتظر الأسواق؟

Chanatip Sone

رئيس فريق استراتيجيي أسواق المال

يسلّط المحلل الخبير تشاناتيب سون Chanatip Sone في هذا التقرير الضوء على أبرز تحركات الأسواق المالية في شهر فبراير 2025، ويكشف عن الاتجاهات الرئيسية، و التقلبات، و علاقات الترابط التي ظهرت بين الأصول المالية. كما يقدّم رؤية لما قد تحمله لنا الأسواق في شهر مارس القادم.

لم يكن فبراير شهرًا خاليًا من المفاجآت في الأسواق المالية. فقد شهدنا تحركات حادة في بعض الأصول، بينما عانت أخرى من تذبذب المسار في ظل تغيّرات السياسات الاقتصادية وعدم اليقين العالمي. تقلبات عنيفة اجتاحت أسواق السلع والعملات الرقمية، في حين زادت التوترات التجارية من تقلبات سوق الأسهم. في هذا التقرير، سأستعرض أبرز الاتجاهات التي ظهرت، وأهم علاقات الترابط بين الأصول، وأهم الأحداث التي قد يكون لها أثر كبير على الأسواق في شهر مارس المقبل.

أبرز النقاط المستخلصة

  1. شهدت بعض الأصول تقلبات سعرية حادة خلال فبراير، لكن هل استفادت فعليًا من كامل نطاقها السعري؟
  2. خلقت التوترات التجارية وتبدّل السياسات الجمركية حالة من الغموض—فكيف تفاعلت الأسواق مع ذلك؟
  3. عاشت العملات الرقمية شهرًا مضطربًا، بدأت فيه بارتفاعات قوية، لكنها سرعان ما فقدت مكاسبها—ما الذي قلب المشهد؟
  4. عانى النفط من مخاوف فائض المعروض، بينما استعاد الذهب قوته—فما الذي ينتظر أسواق السلع؟
  5. تغيّرت علاقة الترابط بين الأصول الرئيسية بشكل مفاجئ—ما دلالة ذلك بالنسبة للمتداولين؟
  6. اجتماعات هامة للبنوك المركزية على الأبواب—فكيف يمكن أن تؤثر على معنويات السوق في مارس؟

أداء الأسواق في شهر فبراير

    شهدت الأسواق المالية في شهر فبراير حركات سعرية ملحوظة شملت طيفًا واسعًا من فئات الأصول، حيث فاقت المكاسب والخسائر التي سجلتها بعض الأدوات المالية نطاق تداول الذهب (XAUUSD)، باستثناء مؤشر السوق الفرنسي (FR40). وقد برز كلٌّ من الغاز الطبيعي الأمريكي (XNGUSD) والإيثريوم (ETHUSD) بين أكثر الأدوات تقلبًا، إذ تجاوزت نسبة تغيّرهما 38%. غير أنّ الغاز الطبيعي استطاع أن يغتنم 60% من نطاق تداوله، مغلقًا على ارتفاع بلغ 24.29%، في حين مُنيت الإيثريوم بخسارة حادّة وصلت إلى 32.22%.

    أما أزواج العملات الرئيسة والتقاطعية، فقد اتّسمت حركتها بالهدوء النسبي، إذ دارت تداولاتها في نطاق ضيّق يشابه ما شهده الذهب من تقلب محدود. وعلى النقيض من ذلك، فقد طغت حالة من التذبذب الشديد على أداء المؤشرات الأوروبية والآسيوية، مدفوعةً بارتفاع المخاوف المرتبطة بالوضع الاقتصادي العالمي، مما انعكس سلبًا على معنويات المستثمرين وثقتهم في الأسواق.

    لا تزال الأسواق تتابع عن كثب آثار التعديلات في الرسوم الجمركية على مسار التضخم العالمي، مما أدى إلى نوع من الاستقرار النسبي في تقلبات أسعار العملات، في حين اشتدت الضغوط على أسواق الأسهم نتيجة ازدياد الميل إلى تفادي المخاطر. ومن منظور قصير الأمد، أعتقد أن وضوح الصورة بشأن مسارات التضخم ونتائج أداء الشركات قد يكون العنصر المفصلي في تحديد الاتجاه القادم لكل من سوق العملات وسوق الأوراق المالية.

الأنماط الموسمية و ماذا تخبرنا

المؤشرات

عند النظر في حركة المؤشرات، يُلاحظ أن مؤشر USTEC، الذي اعتاد على اتجاه صاعد في مثل هذه الفترة من السنة، قد يواجه صعوبات في الحفاظ على زخمه الحالي. فارتفاع التقييمات، إلى جانب تصاعد التوترات التجارية، قد يقلل من جاذبيته في أعين المستثمرين. أما بخصوص اجتماع مجلس الشعب الصيني الذي عُقد في 5 من مارس، فقد أتاح لمحات مهمة عن التوجهات الاقتصادية للحكومة. إذ إن السياسات الرامية إلى تنشيط الطلب المحلي ومعالجة مديونية الحكومات المحلية قد تساعد في التخفيف من المخاطر التي تحيط بمؤشر هونغ كونغ (HK50)، رغم أنه لا يزال عُرضة للضغوط الناجمة عن تباطؤ النمو الاقتصادي.

العملات الرقمية

واجهت العملات الرقمية ضغوطًا قوية نتيجة تصاعد التوترات التجارية. إذ أدت التعريفات الأمريكية الجديدة وردود الأفعال من الشركاء التجاريين الرئيسيين إلى تنامي الميل لتجنب المخاطر، ما تسبب في موجات بيع واسعة للأصول ذات المخاطر العالية. وعلى الرغم من أن البيتكوين والإيثريوم سجلا ارتفاعات أولية بدعم من التفاؤل بشأن اقتراح الرئيس الأمريكي ترامب إدراج العملات الرقمية ضمن الاحتياطي الاستراتيجي الوطني، إلا أن هذه المكاسب تلاشت مع عودة المخاوف من حرب تجارية محتملة إلى الواجهة. وزادت حالة عدم اليقين بشأن اضطرابات سلاسل الإمداد العالمية من موجة التراجع في الأصول الرقمية.

العملات والسلع

  • النفط (USOIL): استمرّت أسعار النفط في الهبوط، مواكبةً للاتجاهات الموسمية التي تميل إلى الانخفاض في هذه الفترة. وقد زادت حدّة هذا التراجع نتيجة ضعف الطلب العالمي وتزايد التوقعات بوفرة المعروض، لاسيّما مع تمسّك منظمة أوبك بخططها الرامية إلى رفع الإنتاج.
  • الذهب (XAUUSD): استفاد المعدن النفيس من الطلب المتزايد عليه كملاذ آمن، إضافةً إلى دوره التقليدي كوسيلة تحوّط ضد التضخم. وقد عززت حالة عدم الاستقرار الاقتصادي العالمي والمخاطر الجيوسياسية من جاذبيته في نظر المستثمرين.
  • مؤشر الدولار الأمريكي (DXY): يواجه الدولار صعوبات في الحفاظ على قوته الموسمية المعتادة، بفعل المخاطر المرتبطة بسياسات ترامب الاقتصادية. ومن شأن أي إشارات تدلّ على تباطؤ الاقتصاد الأمريكي خلال الشهور المقبلة أن تُضعف موقف الدولار.
  • الدولار/ين (USDJPY): لا يزال الين الياباني تحت وطأة الضغوط، على الرغم من نبرة التشدد التي أبداها بنك اليابان، والتي قد تمهّد لرفع محتمل في أسعار الفائدة. ورغم أن هذه السياسات قد تدعم قوة الين، فإن اعتماد الاقتصاد الياباني الكبير على التصدير يجعله عرضة للمخاطر الخارجية، مما قد يُبقي هذا الزوج في نطاق محدود من التراجع.
  • اليورو/دولار (EURUSD): ارتفع اليورو إلى أعلى مستوياته في ثلاثة أشهر، مدعومًا بخطط زيادة الإنفاق الدفاعي في أوروبا. ويظل أداء العملة الأوروبية محل متابعة دقيقة مع استمرار تقييم تأثير التطورات الجيوسياسية على استقرار الاقتصاد الأوروبي.

ما العوامل التي تحرّك العلاقة بين الأصول؟

عند تحليل اتجاهات الارتباط بين فئات الأصول الكبرى، تبيّن لي وجود علاقات محورية تستحق التوقف عندها:

  • مؤشر الدولار الأمريكي (DXY) مقابل البيتكوين (BTCUSD): على المدى المتوسط، لم يظهر بين الأصلين ارتباط يُذكر، إذ بلغ معامل الارتباط صفرًا. غير أن الحال تغيّرت على المدى القصير، إذ قفز الارتباط إلى مستوى 0.90، مدفوعًا بتزايد استثمارات المؤسسات في البيتكوين، لا سيما من خلال صناديق البيتكوين الفوري المتداولة (ETF). وقد ساهمت النظرة المتزايدة إلى كلا الأصلين بوصفهما "مخزنًا للقيمة" في تقارب حركتهما السعرية خلال الفترات القصيرة.
  • الذهب (XAUUSD) مقابل مؤشر الأسهم الأمريكية US500: شهد الأصلان ترابطًا وثيقًا على المدى المتوسط، بلغ 0.92، ويُعزى ذلك إلى توقعات السوق حول دورة خفض أسعار الفائدة التي ينتهجها الاحتياطي الفيدرالي. غير أنّ هذا الترابط قد خفّ على المدى القصير، مع تنامي التفاؤل تجاه السياسات الاقتصادية للرئيس ترامب، مما أسهم في ارتفاع أسهم الشركات الأمريكية، بينما ظلّ اتجاه الذهب غير محدد المعالم.

محور الشهر: أبرز الأحداث وتأثيرها على الأسواق

اجتماع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوح (FOMC) – تأثيره على أزواج الدولار الأمريكي

    من المنتظر أن تُبقي اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوح (FOMC) على معدل الفائدة الحالي دون تعديل في اجتماع شهر مارس. غير أن استمرار الضغوط التضخمية وغموض السياسات التجارية قد يدفعان الاحتياطي الفيدرالي إلى انتهاج لهجة حذرة إزاء خفض الفائدة في المستقبل، وهو ما قد يُسهم في دعم قوة الدولار الأمريكي.

    وفي المقابل، قد تُسهم محادثات السلام في شرق أوروبا وانخفاض أسعار النفط في تخفيف حدة التضخم، غير أن التبدلات المفاجئة في السياسات الجمركية التي يتبناها ترامب قد تُبقي على قوة الدولار في الأجل القصير، مما يجعل أزواج الدولار محل أنظار المتداولين خلال هذه المرحلة.

اجتماع البنك المركزي الأوروبي (ECB) – تأثيره على أزواج اليورو

    يتوقّع السوق أن يقوم البنك المركزي الأوروبي بخفض سعر الفائدة على الودائع بمقدار 0.25% ليصل إلى 2.50%. كما تتنامى التوقعات بمزيد من الخفض خلال العام، في نطاق يتراوح بين 0.50% و0.75%. غير أن الانقسامات الداخلية بين صُنّاع القرار في البنك، وتصاعد التوترات التجارية، يُلقيان بظلال من الشك على وتيرة هذا التيسير النقدي. ونتيجة لذلك، يبقى اتجاه اليورو غير محسوم، وسأتابع عن كثب أي تغيّرات في لهجة البنك الأوروبي خلال المرحلة المقبلة.

سياسة بنك اليابان (BoJ) – تأثيرها على أزواج الين الياباني

    لا يُنتظر أن يُقدِم بنك اليابان خلال هذا الشهر على تعديل في أسعار الفائدة. غير أن التوقّعات تميل إلى إمكانية رفع الفائدة في وقت لاحق من هذا العام، مدفوعةً بارتفاع الأجور الناتج عن مفاوضات الربيع بين العمال وأرباب العمل. وقد يُسهم ذلك في تعزيز النمو الاقتصادي وإبقاء معدّل التضخّم عند مستويات مرتفعة، ما يُضفي دعمًا إضافيًا على قوة الين الياباني. وعلى الرغم من ذلك، فإن اعتماد الاقتصاد الياباني اعتمادًا كبيرًا على التصدير، يجعله عرضة للتقلّبات الخارجية، وهو ما قد يُسهم في الحد من تراجع زوج الدولار/ين.

سياسة بنك إنجلترا ومخاوف التضخم – تأثيرها على أزواج الجنيه الإسترليني

    ما يزال بنك إنجلترا يتبنى نهجًا حذرًا في التعامل مع التضخم. ومن المرتقب أن يسهم ارتفاع سقف أسعار الطاقة في صعود مؤشر أسعار المستهلك (CPI) ابتداءً من شهر أبريل. إلا أن ضعف بعض المؤشرات الاقتصادية وتداعيات السياسات الجمركية الجديدة قد يؤثر سلبًا على ثقة السوق. وبالرغم من حالة الغموض، فإن أزواج الجنيه الإسترليني مرشحة لتقلبات ملحوظة في الفترة القادمة.

أفكار ختامية

    شهدت الأسواق في شهر فبراير تحرّكات حادّة في أسعار السلع والعملات الرقمية والمؤشرات، فيما حافظت أسواق العملات الرئيسة على قدر من الاستقرار. وتشير المعطيات الموسمية إلى أنّ الضبابية الاقتصادية العالمية، والسياسات التجارية، وقرارات البنوك المركزية، ستظلّ عوامل مؤثرة في مسار الأسواق خلال شهر مارس.

    وفي ظلّ هذا التغيّر المستمر، فإنّها فرصة مواتية لاختبار استراتيجياتك في التداول. بادر بفتح حساب تجريبي مع شركة Exness، ودرّب نفسك على التعامل مع الأسواق في الوقت الفعلي، دون تعرّض لأي مخاطر. راقب التحوّلات عن كثب، وطوّر مهاراتك قبل الانتقال إلى التداول الحقيقي.

مشاركة

تداوَل مع وسيط موثوق به اليوم