استراتيجيتي في التداول بالأخبار: كيف أُوظّف التحليل الأساسي لاستغلال حركة الأسواق؟

Stanislav Bernukhov

كبير المتخصصين في التداول لدى Exness

هل تُحسن الاستفادة من الأحداث الإخبارية التي تُحرّك الأسواق؟ التداول بالأخبار من الاستراتيجيات الفعّالة في اقتناص تقلّبات الأسعار السريعة وتحقيق المكاسب. في هذا المقال، يقدّم خبير التداول ستانيسلاف بيرنوخوف Stanislav Bernukhov أفكاره حول كيفية استخدام التحليل الأساسي في التداول، مع التركيز على إدارة المخاطر بوعي، وبيان مزايا وعيوب هذا النهج.

إذا كنت تملك خبرة سابقة في الأسواق المالية، فلا شكّ أنك لاحظت كيف تتفاعل الأسعار بشكل دراماتيكي عقب صدور أخبار اقتصادية المهمة. فهذه التحركات تفتح الباب لفرص مغرية، لكنها لا تخلو من المخاطر. ولعلك شاهدت على منصات مثل "تيك توك" مقاطع لمتداولين يعدّون تنازليًا "5... 4... 3... 2... 1" ترقّبًا لإعلان اقتصادي، ليشهد السوق حركة مفاجئة. غير أن التداول المحترف لا يقوم على المجازفة العشوائية، بل يرتكز على استراتيجية مدروسة، وتحليل دقيق، وإدارة رشيدة للمخاطر. في هذا المقال، سأستعرض معك أبرز مناهج التداول بالأخبار، وأُوضّح كيف تتعامل مع تقلّبات السوق بحكمة، وتُقلّل من المخاطر غير الضرورية، تحوّل الأحداث الكبرى إلى فرص تصبّ في مصلحتك.

محتوى المقال

  1. ما هو التداول بالأخبار؟
  2. كيف تُعدّ استراتيجية فعالة للتداول بالأخبار؟
  3. كيف ترصد الأخبار وتتابعها؟
  4. كيف تؤثر الأخبار في الأسواق المالية؟
  5. أفضل استراتيجيتين للتداول بالأخبار
  6. مزايا وعيوب استراتيجية التداول بالأخبار
  7. أهم النقاط المستخلصة
  8. أفكار ختامية

ما هو التداول بالأخبار؟

التداول بالأخبار هو أسلوب يتّبعه المتداولون في اتخاذ قراراتهم بناءً على ما يصدر من بيانات اقتصادية، وتقارير أرباح الشركات، وسائر الأحداث ذات التأثير العميق. تهدف هذه الاستراتيجية إلى اغتنام التحركات السريعة التي تحدث في الأسواق عقب صدور أخبار رئيسية، إذ إن الأسواق المالية تستجيب فورًا للتطورات والمستجدات.

لِمَ تُعَدّ الأخبار من العوامل المؤثرة في حركة الأسواق؟ ولماذا تزداد التقلّبات في أعقاب صدورها؟

غالبًا لا تقدم المؤسسات المالية الكبرى على اتخاذ قرارات مهمة إلا بعد التمعن في البيانات الاقتصادية الرئيسة، إذ تميل إلى الاعتماد على المعلومات الأساسية لا على التحليل الفني.

ولهذا، تظل الأسواق في حالة من الهدوء النسبي قبيل نشر الأخبار، وتنخفض فيها التقلّبات. أما بعد صدور النشرات، فسرعان ما تتسارع التقلّبات، ويتسع السبريد كذلك. ويُعزى هذا إلى انخفاض السيولة مقارنةً بالمعدلات المعتادة، إذ يلجأ صانعو السوق إلى توسيع السبريد لتقليل المخاطر الناجمة عن تقلّبات حادّة مفاجئة. وينطبق هذا على مختلف الأسواق، بما فيها البورصات المركزية.

إعداد استراتيجية للتداول بالأخبار

بناء استراتيجية فعّالة للتداول بالأخبار يتطلّب فهمًا راسخًا لأسس السوق، والمؤشرات الاقتصادية، وأسس إدارة المخاطر. ينبغي على المتداول أن يكون يقظًا، سريع التفاعل مع الأخبار العاجلة، دون أن يورّط نفسه في مخاطر لا طائل منها. ويمكن تقسيم خطوات إعداد هذه الاستراتيجية إلى محاور رئيسة، على النحو التالي:

الخطوات الأساسية لتطوير استراتيجية تداول بالأخبار

  1. تحديد مصادر الأخبار ذات الصلة: يُستحسن متابعة المفكرات الاقتصادية، والمواقع الحكومية، ومنصات الأخبار المالية للبقاء على اطّلاع دائم بالإعلانات المهمة.
  2. إدراك توقّعات السوق: قارن بين البيانات المتوقّعة والنتائج الفعلية، لتحليل ردود الفعل المحتملة في الأسواق.
  3. اختيار الأصول المناسبة: ركّز على أزواج العملات أو السلع أو الأسهم الأكثر تأثّرًا بالخبر المزمع صدوره.
  4. وضع خطة لإدارة المخاطر: حدد مستويات وقف الخسارة، واضبط حجم الصفقات لتقليل الآثار المحتملة للتقلّبات الحادّة.
  5. اختيار منهج التداول المناسب: اختر بين التداول قبيل صدور الأخبار (توقّع حركة السوق) أو بعد صدورها (الاستجابة لحركة السوق بعد الإعلان).
  6. مراقبة أوضاع السوق: تابع السيولة، والتقلّب، والمزاج العام للمستثمرين، لتحسين آلية تنفيذ الاستراتيجية.

كيف تتابع الأخبار وتراقبها؟

عادةً ما يعتمد المتداولون على المفكرة الاقتصادية، أو يزورون المواقع الرسمية للهيئات الحكومية المعنية، من أجل الاطّلاع على الجداول الزمنية لنشر البيانات. فعلى سبيل المثال، يمكن متابعة المفكرة الاقتصادية من هنا.

ومن باب التبسيط، سنركّز في هذا المقام على الأخبار المرتبطة بالدولار الأمريكي، إلا أنه ينبغي تتبّع الأخبار الخاصة بأي عملة أو أصل آخر تتداوله. ونظرًا لأن معظم الأدوات المالية تُتداول مقابل الدولار الأمريكي، فمن الأهمية بمكان أن تبدأ التحليل من عنده.

تشمل الإصدارات المؤثرة عادةً ما يلي:

  • بيانات سوق العمل (مثل: تقرير الوظائف غير الزراعية NFP، ومعدّل البطالة، وغيرها).
  • مؤشرات التضخم (مثل: مؤشر أسعار المستهلك CPI، مؤشر أسعار المنتجين PPI، ومؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي PCE).
  • قرارات معدلات الفائدة وتصريحات البنوك المركزية.

كيف تؤثّر الأخبار في الأسواق؟

تتنوع الطرق التي تؤثّر بها الأخبار في حركة السوق. فعلى سبيل المثال، حين تأتي البيانات الاقتصادية أسوأ من التوقّعات، قد يعمد مديرو الصناديق إلى تقليص مراكزهم، تحسّبًا لارتفاع التقلّبات. وفي سيناريو مغاير، قد يلجأ المستثمرون إلى تحويل أموالهم نحو الدولار الأمريكي، إن رجّحوا ارتفاع عوائد السندات الحكومية. ونظرًا لتعقيد تفاعلات السوق، فلن نخوض في تفاصيل هذا الجانب في هذا الموضع.

وعمومًا، يمكن تلخيص العلاقة بين التداول بالأخبار والسوق بما يلي:

  • إذا فاقت أرقام التوظيف أو التضخم في الولايات المتحدة التوقعات، فإن الدولار الأمريكي غالبًا ما يزداد قوة، إذ يتوقع المتداولون حينها بقاء أسعار الفائدة مرتفعة فترة أطول، أو احتمال رفعها مجددًا، مما يُعزّز الطلب على الدولار.
  • أما إن جاءت التقارير أضعف من التوقّعات، كأن تتباطأ وتيرة خلق الوظائف أو يتراجع معدّل التضخّم، فإن الدولار قد يضعف، لأن الأسواق تتوقع في هذه الحال سياسة نقدية أكثر تيسيرًا.

مثال من شهر فبراير 2025:

كان من المقرّر صدور بيانات مبيعات التجزئة لشهر يناير في الولايات المتحدة يوم الجمعة، 14 فبراير. وقد بلغ إجماع التوقّعات آنذاك -0.1%.

أرقام مبيعات التجزئة. المصدر: tradingeconomics.com

إلا أن النتيجة الفعلية كانت أسوأ بكثير، إذ بلغت -0.9%، ما يشير إلى تباطؤ في النشاط الاقتصادي. ورغم أن مؤشرات اقتصادية أخرى، مثل بيانات التوظيف لشهر يناير، كانت قوية، إلا أن هذا التقرير لم يُحدث أثرًا كبيرًا على أسعار الأسهم. غير أن الدولار الأمريكي والذهب شهدا انخفاضًا ملحوظًا في أعقاب النشر.

هبوط أسعار الذهب عقب صدور بيانات مبيعات التجزئة في الولايات المتحدة

والآن، فلننتقل إلى أبرز استراتيجيات التداول بالأخبار. أولاً، يمكن للمتداول أن يكوّن توجهاً معيناً ويتخذ موقعاً في السوق قبل صدور البيانات. فلنخض في تفاصيل هذه الاستراتيجية.

أفضل استراتيجيتين في التداول بالأخبار

التداول المسبق (استراتيجية التوقع)

للوهلة الأولى، قد يبدو هذا الأسلوب بسيطًا، غير أن محاولة استباق حركة السوق قبيل صدور الأخبار أمر بالغ التعقيد. فالسوق لا يسير دومًا على وتيرة متوقعة، وتفاوت ردود أفعاله مرتبط بعدد من العوامل والمتغيّرات. غاية التداول المسبق للخبر هي محاولة توقع و اختيار الاتجاه الذي قد يسلكه السوق وفتح الصفقة قبل صدور الخبر المرتقب. ورغم ما يحمله هذا النهج من مخاطرة بطبيعته، فإنّ تنفيذه بمهارة قد يتيح للمتداولين اغتنام حركة سعريّة حادّة تسير في الاتجاه المرجو.

كيف تحدد الاتجاه الذي قد يسلكه السوق (الانحياز الاتّجاهي)؟

ثمّة سبل متعددة لاستخلاص وجهة السوق المحتملة، غير أن التجربة أثبتت أن التركيز على العوامل المحورية الأساسية — مثل عوائد السندات الحكومية وتوقّعات أسعار الفائدة — هو الطريق الأمثل.

ومن هنا نصل إلى مفهوم مشاعر السوق، وهو انعكاسٌ لمزاج المتداولين والمستثمرين حيال المخاطر. فعندما تكون شهية المخاطرة مرتفعة، قد يتجاهل السوق البيانات السلبية أو المحايدة. وعلى العكس، قد لا تلقى الأخبار الإيجابية ترحيبًا في الأسواق الهابطة، حيث تسود ضغوط البيع.

فهم مزاج السوق مهارة تُكتسب بالممارسة، إذ تتداخل عوامل عدة في تشكيل حركة الأسعار. ومع ذلك، يمكن الاستعانة ببعض المؤشرات الأساسية لاستشراف الاتجاه المحتمل للسوق.

يوجد حالتان رئيسيتان لمزاج السوق: إقبال على المخاطرة وعزوف عن المخاطرة.

  • الإقبال على المخاطرة (Risk-on): يُقبل المستثمرون على شراء الأسهم والعملات الرقمية، مع تراجع الطلب على الدولار الأمريكي أو على الأقل انحسار شرائه النشط. وفي هذه الأجواء المتفائلة، قد يرتفع سعر الذهب لأسباب متداخلة، منها التوترات الجيوسياسية.
  • العزوف عن المخاطرة (Risk-off): يفضل المستثمرون الاحتفاظ بالنقد أو اللجوء إلى الأصول الآمنة. ويحدث هذا غالبًا في أوقات الركود، أو عند ازدياد المخاوف من الانكماش، أو تصاعد التوترات الجيوسياسية، أو غير ذلك من الأحوال التي يعلو فيها الخوف على الطمع.

مؤشرات على حالة الإقبال على المخاطرة

  • تراجع عوائد السندات الأمريكية لأجل 30 سنة( ما يوحي بإمكانية تخفيف السياسة النقدية).
  • انخفاض تدريجي في توقعات أسعار الفائدة (يُرصد من خلال أدوات مثل FedWatch التابعة لمجموعة CME).

ملاحظة: في بيئة العزوف عن المخاطرة، تُعكس هذه المؤشرات تمامًا؛ إذ ترتفع العوائد وتتزايد توقّعات رفع الفائدة.

تتبّع مباشر لعوائد السندات الأمريكية لأجل 30 سنة – المصدر: www.cnbc.com
أداة تتبّع توقّعات الفائدة – المصدر: www.cmegroup.com

قاعدة عامة للتداول قبل الأخبار في أوقات العزوف عن المخاطرة

  • توقّع ازدياد الطلب على الدولار الأمريكي.
  • ابحث عن فرص بيع على أزواج مثل EURUSD وGBPUSD، وعلى الذهب (مع الأخذ بعين الاعتبار أن الذهب قد يسلك مسارًا مستقلًا تبعًا لعوامل الطلب عليه).

عند صدور بيانات اقتصادية دون مفاجآت سلبية (أي جاءت بما يتوافق مع التوقعات أو أفضل منها)، غالبًا ما يشهد الدولار الأمريكي ارتفاعًا حادًا. ويمكن للمتداولين استغلال هذه التقلبات من خلال إغلاق الصفقات في التوقيت المناسب. على سبيل المثال، في تقرير الوظائف في القطاع غير الزراعي (NFP) لشهر ديسمبر 2024، الصادر في 10 يناير 2025، كان متوقعًا أن يسجّل 160 ألف وظيفة، غير أن الرقم الفعلي بلغ 256 ألفًا، متجاوزًا التوقّعات. وكان قد سبق هذا التقرير ارتفاع في عوائد السندات لمدة أسبوعين، مما دعم قوة الدولار. وفي مثل هذا السياق، يستطيع المتداول أن يتبنّى نظرة واضحة للاتجاه(بناء انحياز اتّجاهي)، عبر شراء مؤشر الدولار الأمريكي (DXY) أو بيع زوج EURUSD قبيل صدور الخبر، ثم يخرج من الصفقة عقب تفاعل السوق معه.

ردّة فعل مؤشر الدولار الأمريكي تجاه صدور تقرير NFP القوي

إليك المثال المعاكس:

في مستهلّ شهر أغسطس من عام 2024، بدأت عوائد السندات الأمريكية لأجل 30 عامًا في التراجع بوتيرة ملحوظة، وذلك على خلفية صدور تقارير ضعيفة بشأن الوظائف غير الزراعية (NFP) والبطالة، إلى جانب تصريحات تحذيرية أطلقها رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول. وقد أعادت هذه المعطيات إلى الواجهة المخاوف من احتمال دخول الاقتصاد في ركود، ما دفع الأسواق إلى ترقّب تقرير الوظائف لشهر يوليو بشغف كبير.

عوائد السندات الأمريكية لأجل 30 عامًا خلال صيف 2024. المصدر: www.cnbc.com

يمكن تصنيف هذا المشهد ضمن بيئة تسودها شهية المخاطرة (risk-on)، والسبب في ذلك أن البيانات الاقتصادية الضعيفة توحي بإمكانية خفض أسعار الفائدة في المستقبل القريب، وهو ما يعني توفر السيولة بتكلفة أقل، وانتقال رؤوس الأموال من الأصول ذات الدخل الثابت، مثل السندات والدولار الأمريكي، نحو الأصول المضاربية مثل الأسهم. في ظل هذا المزاج العام في السوق، عمد المتداولون إلى فتح صفقات بيع على مؤشر الدولار الأمريكي (DXY)، مقابل شراء عملات أخرى مثل اليورو، مما يعني توقع ارتفاع زوج EURUSD. وعندما صدر تقرير الوظائف في القطاع غير الزراعي NFP لشهر يوليو، مسجلاً 114 ألف وظيفة فقط، مقارنة بالتوقعات التي بلغت 175 ألف، ازداد الميل العام في السوق إلى بيع الدولار الأمريكي. نتيجة لذلك، ارتفع زوج EURUSD بشكل فوري بعد صدور التقرير، مما أكد رد الفعل المتوقع من السوق.

ردة فعل EURUSD عقب صدور بيانات NFP في 2 أغسطس 2024

كيفية إدارة المخاطر في استراتيجية التداول قبل الأخبار

كما يتضح، فإن التداول المسبق للأخبار لا يُعدّ استراتيجية آلية بحتة، بل هو نهج يستند إلى إدراك عميق لنفسية السوق والسرديات السائدة فيه. على المتداول أن يبني تصوّر استباقي أو انحياز اتجاهي، ليُنفّذ صفقاته على هذا الأساس. لكن ثمّة عنصرًا بالغ الأهمية ينبغي ألا يُغفل، ألا وهو التقلبات الحادة التي تعقب عادةً صدور الأخبار المهمة. فعلى سبيل المثال، عند استخدام مؤشر متوسط المدى الحقيقي (ATR) على رسم بياني لفاصل زمني مقداره 5 دقائق قبل وبعد صدور الخبر، لرأينا ارتفاعًا ملموسًا في درجة التذبذب، إذ قد يقفز من نحو 3 نقاط إلى ما يقارب 8 نقاط في غضون لحظات. وقد يتحرّك السعر أحيانًا في الاتجاه المتوقع على الفور، إلا أن ذلك لا يمنع حدوث "تذبذب مضاد"، حيث يتقلّب السعر ذهابًا وإيابًا قبل أن يستقر على اتجاه واضح.

ارتفاع التقلّب (ATR) إلى الضعف عقب صدور الخبر

لذا، يجب على المتداولين توقّع ما يلي:

  • قد تتضاعف حدة التقلّبات في الفواصل الزمنية القصيرة (ما بين 5 إلى 15 دقيقة)، كما قد ترتفع بنسبة تصل إلى 50% في الفواصل الأطول مثل 30 دقيقة أو ساعة واحدة.
  • من المستحسن تقليص حجم الصفقة إلى النصف مقارنة بالحجم المعتاد، لتفادي المخاطر المفرطة.
  • ينبغي ضبط أوامر وقف الخسارة على مسافة كافية (تتراوح بين 15 و20 نقطة)، لاستيعاب التحركات الفجائية، لاسيما إن كان التقلّب المعتاد في حدود 5 نقاط فقط.

تنطبق هذه المبادئ على كل بيئة تشهد تقلّبات مرتفعة، لكن التداول بالأخبار يُضخّم تحرّكات الأسعار بسرعة كبيرة، ما قد يربك المتداول ويحول دون تفاعله الفوري مع التغيّرات. ومن ثم، فإن اتخاذ التدابير الاحترازية مسبقًا—مثل خفض الرافعة المالية قبل صدور الخبر لا بعده—يُعدّ ركيزة أساسية لإدارة المخاطر بكفاءة و فعالية.

استراتيجية التداول بعد صدور الأخبار (استراتيجية التفاعل)

تنقسم استراتيجيات التداول بعد صدور الأخبار إلى نوعين رئيسين. النهج الأول يستهدف اغتنام التقلبات العنيفة التي تعقب صدور البيانات مباشرة، وهو أسلوب محفوف بالمخاطر، إذ يتحرك المتداول في بيئة تتسم بالغموض والتقلب الشديد، مع اتساع الفوارق السعرية (السبريد) وردود فعل غير متوقعة في السوق. تعتمد هذه الاستراتيجية على وضع أوامر شراء محددة (Buy Limit) وأوامر بيع محددة (Sell Limit) عند أعلى وأدنى النقاط المحتملة لنطاق التداول، على أمل أن يختبر السعر هذه المستويات ثم يرتد عنها. وتُجدي هذه الطريقة نفعًا حين يكون السوق خاليًا من توجه واضح أو ميل اتجاهي محدد. فعلى سبيل المثال، في مطلع فبراير 2025، كانت الأسواق المالية تترقب صدور بيانات جديدة دون أن تكون هناك توقعات واضحة بشأن حركة الدولار الأمريكي. ونتيجة لذلك، شهد زوج اليورو/دولار (EURUSD) حركة سعرية متذبذبة حادة صعودًا وهبوطًا شبيهة بنمط المنشار، حيث التقط كلا جانبي نطاق التداول لمؤشر بولينجر باند(بإعداد 50 على الرسم البياني للفاصل الزمني 30 دقيقة). نصيحة: احرص على جني الأرباح بسرعة فور ملامسة السعر للحدّ الأوسط من النطاق (وهو المتوسط المتحرّك).

ردة الفعل السريعة لسعر EURUSD بعد صدور تقرير الوظائف غير الزراعية (NFP) في فبراير 2025.

أما النوع الثاني من استراتيجيات ما بعد الأخبار، فيقوم على التريث إلى أن يهدأ السوق وتستقر تداعيات البيانات الصادرة. والنهج الأمثل هنا هو انتظار إغلاق الجلسة الأمريكية حين تكون البيانات الأساسية الرئيسية قد انعكست بالكامل على حركة السوق.

أهم العوامل التي ينبغي مراعاتها:

  • أسعار الإغلاق في أسواق الأسهم والسندات تلعب دورًا كبيرًا في توجيه سلوك المتداولين الكبار من المؤسسات في اليوم التالي.
  • أي تغيّرات في المؤشرات الاقتصادية الأساسية قد تعيد تشكيل توقّعات السوق، ما يخلق فرص تداول جديدة.

مثال:

في مطلع نوفمبر 2024، كانت نسبة 45% من المتداولين تتوقع خفضًا في أسعار الفائدة. إلا أنه، وبعد صدور قرار بنك الاحتياطي الفيدرالي بالتزامن مع الانتخابات الرئاسية الأمريكية، توازنت الآراء، إذ انقسمت بين من يرجّح الخفض ومن يرى بقاء الحال على ما هو عليه. وقد أدى هذا التبدل في المزاج العام إلى انتقال السوق من حالة "الإقبال على المخاطرة" إلى موقف أكثر حيادية، مما حرّك أزواج العملات الرئيسية بقوة.

احتمالات خفض الفائدة في الولايات المتحدة. المصدر: www.cmegroup.com

إليك ما حدث مع مؤشر الدولار الأمريكي (DXY) خلال تلك الفترة:

مؤشر الدولار الأمريكي (DXY)

تأثير الأخبار على مؤشر الدولار الأمريكي (DXY) : في كثير من الأحيان، تُشكّل الأخبار الشرارة الأولى لحركة السوق، غير أن الأثر الحقيقي يظهر تدريجيًا مرور الزمن، حين يبدأ المستثمرون الكبار و المؤسسات المالية في تعديل مراكزهم. وفي هذا السياق، أدى تغيّر التوقعات بشأن أسعار الفائدة إلى تحفيز موجة صعود متواصلة لمؤشر DXY، ما أتاح فرص تداول طويلة الأمد، تفوق بأثرها ردود الفعل الفورية على الأخبار. التداول في جوهره مبنيّ على القدرة على التكيّف مع التغيّرات. فعندما تطرأ تحولات جوهرية على الاقتصاد العالمي، فإن الأسعار تعيد تموضعها بما يعكس هذه المستجدات، فتظهر في الأفق فرص مجزية للمتداولين.

مزايا وعيوب استراتيجية التداول بالأخبار

المزايا:

  • التوافق مع رؤوس الأموال الكبيرة: يُمكِّن التداول بالأخبار المتداول من مواكبة تحركات كبار المستثمرين والمؤسسات المالية، ممن يتفاعلون مع تقارير الأرباح والبيانات الاقتصادية وقرارات أسعار الفائدة.
  • فرص لتحركات طويلة الأمد: قد تؤدي التغيّرات الجوهرية في أوضاع السوق، التي تُحدثها نشرات الأخبار المؤثرة، إلى تقلبات قصيرة الأجل، لكنها غالبًا ما ترسم اتجاهات متوسطة الأمد يمكن الاستفادة منها.
  • التحرر من ضجيج السوق: إن التركيز على العوامل الأساسية بدلًا من متابعة التذبذبات اليومية للأسعار، يُعين المتداول على اتخاذ قرارات أكثر اتزانًا ونضجًا، مستندة إلى معطيات واقعية.

العيوب:

  • ندرة الفرص الحاسمة: الأخبار المؤثرة التي تقلب موازين السوق لا تظهر بشكل متكرر، مما قد يجعل من الصعب على المتداولين الجدد بناء استراتيجية متماسكة قائمة على الأخبار فقط.
  • مخاطر تقلبات مفرطة: قد تتسبب ردود أفعال السوق تجاه الأخبار السلبية أو قرارات الفائدة في تقلبات سعرية حادة، تجعل من ضبط المخاطر أمرًا بالغ الصعوبة.
  • الإرهاق الذهني: كثرة ما يُنشر من تقارير و بيانات اقتصادية وسائر الأخبار المتعلقة بالتداول، قد تُربك المتداول المبتدئ، وتتطلب خبرة وصبرًا لفهمها وتحليلها بدقة.

أهم النقاط المستخلصة

  1. التداول بالأخبار يقوم على متابعة البيانات الاقتصادية، وتقارير الأرباح، والتطورات الجيوسياسية.
  2. تقلبات الأسواق تزداد حدّة عقب صدور الأخبار المهمة.
  3. التداول قبل الأخبار يُبنى على توقّع اتجاه السوق، ووضع الصفقات استباقًا للإعلانات المنتظرة.
  4. التداول بعد الأخبار يركّز على الاستفادة من التقلّبات التي تلي الإصدار أو من استقرار السوق بعد الزخم الأولي.
  5. إدارة المخاطر أمرًا ضروريًا، نظرًا لصعوبة التنبؤ بحركة الأسعار بعد صدور الأخبار، لذا ينبغي على المتداولين استخدام أوامر وقف الخسارة وتحديد حجم الصفقات بما يتناسب مع قدرتهم على التحمّل.
  6. المؤشرات الاقتصادية المؤثرة تتضمن: بيانات التوظيف، معدلات التضخم، وقرارات أسعار الفائدة.
  7. فهم مشاعر السوق يساهم في توقع كيفية استجابة الأسعار للأخبار.
  8. السيولة والسبريد قد تشهد تغيرات حادة أثناء الأحداث الإخبارية الكبرى، لذا فإن اختيار شركة وساطة مالية موثوقة توفر سبريد مستقر يُسهم في تقليل التكاليف غير المتوقعة وتجنّب مشاكل تنفيذ الأوامر في فترات التقلّب الحاد.

أفكار ختامية

استراتيجية التداول بالأخبار وسيلة فعّالة للمتداولين الذين يدركون أساسيات الاقتصاد ويتقنون فن إدارة المخاطر. فبينما تتسبّب الأخبار في تحرّكات حادة في السوق، فإنها تفتح في الوقت نفسه أبوابًا لفرص مربحة، لمن يملك القدرة على التوقّع والاستجابة السريعة. ومع ذلك، وبسبب ما يكتنفها من تعقيدات ومخاطر، من الضروري أن يتدرّب المتداول جيّدًا قبل أن يزجّ بأمواله في هذا المضمار.

وإن كنت حديث العهد بالتداول الإخباري، فابدأ باستخدام حساب تجريبي. فبهذا يمكنك أن تراقب تأثير الأخبار المختلفة على حركة السوق، دون أن تخاطر بأموالك. ومن خلال تحسين استراتيجيتك في بيئة آمنة، تبني الثقة والخبرة التي تعينك على دخول السوق الحقيقية في الوقت المناسب، بثبات ويقين.

مشاركة

تداوَل مع وسيط موثوق به اليوم