كيف أتداول في مواجهة الاقتصاد التضخمي

متخصّص في التدريب على التداول

AR.heroimage.Exness Insights الاقتصاد التضخمي@3x.png

في هذا المقال، يشارك خبير التداول هايكَل علي Haikel Ali أبرز الاستراتيجيات التي يتبعها لمواجهة التحديات التي يفرضها الاقتصاد التضخمي. ومع تقلبات السوق الناتجة عن ارتفاع الأسعار وتحركات البنوك المركزية، يوضح كيف يمكن أن يكون التداول وسيلة فعالة لحماية الثروة وتنميتها.

كثير من الناس يدّخرون أموالهم بدافع فطري، ظنًّا منهم أن الادخار يضمن الأمان المالي. غير أنّ الاقتصاد التضخّمي يجعل الادخار دون خطة مجرّد تسريب بطيء لقيمة المال. فمعدّلات الفائدة التي تُقدّمها المصارف نادرًا ما تواكب وتيرة التضخّم، ما يجعل ما يبدو نموًا رقميًا ليس إلا تراجعًا في القدرة الشرائية في الواقع. وقد عشتُ سنوات تداولتُ فيها وسط تقلبات عنيفة، ورأيت بأم عيني كيف تتآكل قيمة المال حين يشتدّ التضخم. يمكنك أن تدّخر لخمس سنوات، ثم تُفاجأ بأنك لم تعد قادرًا على شراء ما كنت تشتريه اليوم. كثيرون يغفلون عن هذه الحقيقة لأنهم لا ينتبهون إلى أثر ارتفاع الأسعار وتوقعات التضخم.

فهم الاقتصاد التضخمي

في ظل اقتصاد تضخمي، يكون التوازن هشًا بين النمو والتضخم. التضخم المعتدل غالبًا ما يُنظر إليه كعلامة على نمو الطلب والاقتصاد، لكن حين يتحول إلى تضخم مرتفع، يبدأ كل شيء في التدهور—أسعار المستهلك ترتفع، أسعار الفائدة تتصاعد، والقوة الشرائية تنهار.

ومن منظور المتداول، لا يُعدّ التضخّم مجرد مصطلح من مصطلحات الاقتصاد الكلّي، بل هو عامل محرّك للأسواق، يُملي على البنوك المركزية قراراتها، ويؤثر في كل أصل مالي أضع فيه أموالي. إنّ إدراك طبيعة الاقتصاد التضخمي يُمثّل الخطوة الأولى نحو تكييف استراتيجيّتي التداولية.

تطبيق Exness Trade

تداول بثقة في أي وقت وأي مكان.

حمّل الآن

أنواع التضخم وأسبابه

توجد أنواع مختلفة من التضخم تؤثّر في قراراتي عند التداول. فـ"التضخم الناتج عن زيادة الطلب" ينشأ حين تتجاوز الحاجةُ إلى السلع والخدمات قدرةَ السوق على توفيرها، مما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار. أما "التضخم الناتج عن ارتفاع التكاليف"، فيظهر عندما ترتفع كُلفة الإنتاج، فتُضطرّ الشركات إلى رفع أسعار منتجاتها. وهناك أيضًا "التضخم المُتراكم"، الذي يحدث حين يطالب العمّال بأجور أعلى، فتقابل الشركات هذه المطالب بزيادة الأسعار. وغالبًا ما تنبع هذه الاتجاهات التضخمية من السياسات النقدية والمالية، كأن يُقدِم الاحتياطي الفيدرالي على خفض أسعار الفائدة لتحفيز الإنفاق، مما قد يُسفر عن سخونة مفرطة في الاقتصاد وارتفاع في الأسعار. كما أنّ الاضطرابات في سلاسل الإمداد – كتلك التي شهدها العالم في زمن الجائحة – تترك أثرًا بالغًا، إذ تُقيد العرض وتُفضي إلى رفع أسعار الاستهلاك.

قياس التضخّم

يُقاس التضخّم غالبًا من خلال مؤشر أسعار المستهلك (CPI)، وهو أداة ترصد التغيّر المتوسط في أسعار السلع والخدمات التي يستهلكها الأفراد مع مرور الوقت. وبوصفي متداولًا، أتابع صدور بيانات هذا المؤشر عن كثب، إذ تسبب غالبًا تقلبات في السوق، وتعكس نبض الاقتصاد في ظل التضخم. ومن المؤشرات الأخرى ذات الفائدة: مؤشر أسعار المنتجين (PPI) ونفقات الاستهلاك الشخصي (PCE)، فهما يقدّمان رؤى إضافية حول تأثير التضخّم في نمو الاقتصاد.

أثر معدل التضخم

في ظل اقتصاد التضخمي، يشكّل معدل التضخم مؤشرًا محوريًا يؤثر في كل قرار تداول أو استثمار أُقدِم عليه. فإذا ارتفع هذا المعدل فجأة، أعمد إلى تعديل محفظتي الاستثمارية تحوّطًا من تآكل القدرة الشرائية. وكلما اشتدّ معدل التضخم، ازدادت البنوك المركزية تشددًا في تعديل أسعار الفائدة، وهو ما قد ينهض بالأصول المالية أو يُطيح بها. المسألة لا تتوقف عند مقدار ما يُجنى من مال، بل تمتد إلى مقدار ما يبقى منه بعد احتساب أثر التضخم. لذلك، أنظر دومًا إلى العائد الحقيقي لا إلى العائد الاسمي.

كيف يؤثر التضخم في الاقتصاد

من أبرز آثار التضخم تآكل القدرة الشرائية. فإذا فاق التضخم معدلات نمو الأجور أو عوائد المدخرات، كان ذلك أشبه بخسارة غير مباشرة للمال. كما أن ارتفاع التضخم يزعزع ثقة المستثمرين، ويُغذّي التقلبات في الأسواق كلما صدرت توقعات بشأن أسعار الفائدة أو مؤشرات اقتصادية جديدة. وتتفاعل القطاعات الاقتصادية مع التضخم بدرجات متفاوتة، إذ غالبًا ما ترتفع أسعار السلع الأولية والطاقة توازيًا مع التضخم، في حين تميل أسهم شركات التكنولوجيا إلى الضعف. أما بالنسبة للعامة، فإن ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية يعني ببساطة أن ما بأيديهم من مال لم يَعُد يفي بحاجاتهم كما في السابق.

التعامل مع توقّعات التضخّم

كثيرًا ما تتحوّل توقّعات التضخّم إلى نبوءة ذاتية التحقّق. فعندما يتوقّع المستهلكون ارتفاع الأسعار مستقبلًا، يُسرعون إلى الشراء، مما يزيد من الطلب ويُسهم في تسارع التضخّم. وتُستخدم أدوات مثل الأوراق المالية المحمية من التضخّم الصادرة عن الخزانة الأمريكية Treasury Inflation-Protected Securities – TIPS، ومعدّلات التعادل breakeven rates، لقياس شعور السوق وتوقّعاته بشأن التضخّم. استباق التضخّم جزء لا يتجزّأ من عملي اليومي في التداول؛ فالأمر لا يقتصر على ردّ الفعل، بل يتعدّاه إلى اتخاذ مواقع مسبقة مدروسة.

ضبط التضخّم والتحكّم فيه

تسعى البنوك المركزية، مثل الاحتياطي الفيدرالي، إلى ضبط التضخّم من خلال أدوات السياسة النقدية، وفي مقدّمتها أسعار الفائدة. فإذا ارتفع التضخّم، تُرفع أسعار الفائدة لتهدئة وتيرة النشاط الاقتصادي وإعادة الاستقرار إلى الأسعار. وقد تُسهم السياسات المالية، مثل تقليص الإنفاق الحكومي، في كبح التضخّم، غير أن اتخاذ مثل هذه الإجراءات يظلّ محفوفًا بالصعوبات السياسية. بالنسبة للمتداول، تبقى مصداقية البنك المركزي أمرًا بالغ الأهمية. فإذا فقد الجمهور ثقته في قدرة البنك على الحفاظ على استقرار الأسعار، ارتفعت توقّعات التضخّم وازدادت حدة الأوضاع الاقتصادية التضخّمية.

كيف تؤثر قوى العرض والطلب في التضخّم

التضخم غالبًا ما ينشأ من اختلالٍ بين العرض والطلب. فبعد جائحة كورونا، ارتفع الطلب بسرعة بينما بقيت سلاسل التوريد ضعيفة، مما أدى إلى ارتفاع معدلات التضخم. مراقبة هذا التوازن بين العرض والطلب تساعدني على توقّع توقيت تغيّر أسعار الفائدة، أو تدخل البنوك المركزية في الأسواق.

التحصّن من آثار الاقتصاد التضخّمي

أفضل وسيلة وجدتُها للتحوّط في وجه التضخّم هي تنويع الاستثمارات. إذ تُظهر العقارات والسلع الأساسية والسندات قصيرة الأجل قدرةً أعلى على الصمود مقارنةً بالادخار التقليدي في ظل اقتصاد يتّسم بالتضخّم. غير أنّ التداول هو مكمن تميّزي الحقيقي، إذ يتيح لي التحرّك السريع والاستفادة من التقلّبات الناجمة عن تغيّرات التضخّم. يساعدني التداول على الاستجابة السريعة للمؤشّرات الاقتصادية والإعلانات الرسمية، سواء تعلّق الأمر ببيانات التضخّم أو قرارات أسعار الفائدة. وقد أصبحت هذه المرونة خط الدفاع الأوّل بالنسبة إليّ.

التعلّم من التاريخ

التاريخ ينبّهنا إلى أنّ التضخّم المفرط، كما حدث في السبعينيات أو في دول مثل زيمبابوي، قادر على تآكل الثروات في وقتٍ وجيز. وفي معظم الحالات، لجأت السلطات النقدية إلى رفعٍ حادّ في أسعار الفائدة لاستعادة الاستقرار. وتكمن مسؤولية البنوك المركزية في الحفاظ على مصداقيّتها، منعًا لانفلات توقّعات التضخّم. فمتى فُقدت الثقة، يصعب إعادة السيطرة على الأسعار.

كيف يُعيد التضخّم تشكيل فئات الأصول

تتفاعل فئات الأصول مع التضخّم بطرق متباينة. فأسهم القطاعات الدفاعية قد توفّر قدرًا من الحماية، في حين تفقد السندات طويلة الأجل قيمتها عادةً عند ارتفاع أسعار الفائدة. وغالبًا ما أوجّه بوصلتي نحو الذهب و السلع، لما لها من أداء متماسك في فترات ارتفاع التضخّم.

التداول الذكي يبدأ بإدارة المخاطر

احمِ صفقاتك من خلال أدوات فريدة لحماية الفجوات السعرية والتنبيهات الخاصة بتذبذب السوق.

جرّب الحساب التجريبي مجانًا

إدارة مخاطر التضخم في الوقت الحقيقي

لا تنحصر إدارة مخاطر التضخم في لحظة بعينها، بل تمثل عملية مستمرة لا تنقطع. أتابع تطوّرات مؤشّر أسعار المستهلك (CPI)، وأراقب توقعات التضخم، وأُعيد ضبط صفقاتي وفقًا لما تقتضيه هذه المتغيّرات. فالإطلاع الدائم على المستجدات سلاحي الأنجع في مواجهة تقلبات السوق. في اقتصاد ت

ضخّمي، التراخي مكلف. سواءً أغيّرت الاستراتيجية، أو أعدت توزيع الأصول، أو حافظت على مرونتي، فإنني أتداول بهدفٍ واضح: ليس فقط للنجاة من التضخم، بل لتجاوزه وتحقيق مكاسب والتفوّق عليه.

أهم النقاط المستخلصة

  1. التضخم يلتهم مدّخراتك بسرعة. في ظل اقتصاد تضخمي، تصبح وسائل الادخار التقليدية غير فعّالة، إذ تتراجع القيمة الحقيقية للنقود مع ارتفاع الأسعار وثبات معدلات الفائدة.
  2. فهم مؤشر أسعار المستهلك (CPI) ضرورة لا غنى عنها. يمثل مؤشر أسعار المستهلك أداة رئيسية لقياس التضخّم، من خلال تتبّع تغيّرات أسعار السلع والخدمات التي يستهلكها الأفراد، ما يمنح المتداولين تصورًا آنيًا لاتجاهات الاقتصاد.
  3. القدرة الشرائية أولى ضحايا التضخّم. حين تتسارع وتيرة التضخّم بشكل يفوق نمو الدخل أو العوائد الاستثمارية، تفقد النقود قيمتها الشرائية، ويظهر ذلك في صورة "ضريبة خفية" تثقل كاهل المدّخرين والعاملين على حد سواء.
  4. النمو الاقتصادي يحتاج إلى التوازن لا إلى التطرّف. يُسهم التضخّم المعتدل في دعم النمو الاقتصادي، غير أن الارتفاع الحاد في معدلاته يُربك الأسواق، ويقوّض الثقة، ويدفع البنوك المركزية إلى اتخاذ تدابير قاسية.
  5. التضخّم المُتراكم يُبقي الضغوط على الأسعار. حين يطالب العمال بأجور أعلى وتقوم الشركات بتحميل التكاليف على المستهلكين، ينشأ تضخّم مُتكرّر يعيد إنتاج نفسه باستمرار ويدفع الأسعار إلى الارتفاع.
  6. لا تغفل الفرق بين التضخّم الحقيقي و الأرقام الرسمية. البيانات الحكومية حول التضخّم لا تعكس دومًا واقع الأسعار كما يعيشه الناس. إدراك التضخّم الفعلي، يُسهم في اتخاذ قرارات تداول أكثر وعيًا ودقّة.
  7. البنوك المركزية تقف في الصف الأول بمواجهة التضخّم تستخدم مؤسسات مثل الاحتياطي الفيدرالي أدوات مثل رفع أسعار الفائدة للسيطرة على التضخّم والحفاظ على استقرار الأسعار في الاقتصاد العام.
  8. مؤشر أسعار المنتجين (PPI) إنذار مبكر محتمل. إلى جانب مؤشر أسعار المستهلك، يكشف مؤشر أسعار المنتجين عن اتجاهات التضخّم في مستوى الجملة، ما يُمكّن المتداولين من استباق تحرّكات الأسعار المستقبلية في السوق الاستهلاكية.
  9. متابعة معدل التضخّم السنوي خطوة أساسية في بناء الاستراتيجيات. يشير ارتفاع معدل التضخّم السنوي إلى احتمالات تعديل سياسات البنوك المركزية، الأمر الذي يؤثر على توزيع الأصول ومخاطر الاستثمار.
  10. تأثير التضخّم يختلف من أصل مالي إلى آخر. في ظل اقتصاد تضخّمي، يراقب المتداولون تحرّكات الأسعار عبر مختلف القطاعات. إذ تنتعش بعض القطاعات مثل السلع، بينما تتأثر أخرى سلبًا، كالسندات طويلة الأجل.

أفكار ختامية

التعامل مع اقتصاد تضخمي ليس بالأمر الهيّن، لكنه تحدٍ تعلّمت مواجهته بثبات. من خلال متابعة المستجدات، والتفكير بخطّة واضحة، واتخاذ قرارات حاسمة، استطعت تحويل التضخم من خطر يهدد مدخراتي إلى فرصة تعزز مكاسبي. التداول مرونة لا توفرها الادخار أو الاستثمارات طويلة الأجل وحدها. وفي عالم تتقلب فيه الأسعار وتتبدل فيه السياسات باستمرار، تظلّ هذه القدرة على التكيّف عنصرًا فاصلًا في بلوغ النجاح.

مشاركة

تداوَل مع وسيط موثوق به اليوم