التضخم: أسبابه وتأثيره على الأسواق والمتداولين

Inki Cho

كبير استراتيجيي أسواق المال

ما هو التضخم وكيف يساهم في تشكيل تحركات الأسواق؟ هذا ما سنعرفه مع إنكي تشو Inki Cho خبير التداول و محلل الأسواق المالية في شركة Exness، أين يقدّم تحليل للعوامل الرئيسية المُسببة للتضخم، ويعرض استراتيجيات عملية لمساعدة المتداولين على التعامل مع تأثيره على الأسواق المالية.

التضخم هو ظاهرةً اقتصاديةً مؤثرةً تُعيد تشكيل الأسواق، وتُؤثّر على المتداولين والمستهلكين على حدّ سواء. ويشير المصطلح إلى الارتفاع المُستمر في المستوى العام لأسعار السلع والخدمات، مما يُفضي إلى تراجع القوة الشرائية للعملة. بالنسبة للمتداولين، يُولّد التضخم حالةً من عدم اليقين وتقلّباتٍ في الأسواق، الأمر الذي ينعكس على أرباح الشركات، وحركة السوق، وأسعار صرف العملات.

للتعامل مع تأثيرات التضخم من المهم فهم الأسباب الكامنة وراءه، مثل عوامل العرض والطلب، و التكلفة، والتغيّرات في المعروض النقدي، أهميةً بالغةً. ويهدف هذا المقال إلى استكشاف آليات التضخم وأسبابه، وكيف يُؤثّر على حركية الأسواق المالية، بهدف تمكين المتداولين من تطوير أفضل الاستراتيجيات خلال فترات التضخم.

المحتوى

1. مفهوم التضخم.

2. أسباب التضخم.

3. تأثير التضخم على المُستهلكين والشركات.

4. تأثير التضخم على المُتداولين وسوق الفوركس.

5. التضخم المُفرط مُقابل الانكماش.

6. استراتيجيات الاستثمار في ظل التضخم.

7. التداول في ظل ظروف التضخم.

8. النقاط الرئيسية المستخلصة.

9. التعامل مع التضخم بثقة.

ما هو التضخم؟

التضخم هو ارتفاع مُستدام وشامل في المستوى العام لأسعار السلع والخدمات في اقتصادٍ مُعين على مدى فترة زمنية. ويُعبّر هذا الارتفاع عن انخفاض القيمة الشرائية للنقود، بحيث تُصبح كمية النقود ذاتها قادرة على شراء كمية أقل من السلع والخدمات. ولتوضيح ذلك، إذا كان سعر عُلبة مشروب غازي دولارًا واحدًا في العام الماضي، وأصبح سعرها دولارين اليوم، فإن ذلك يُعدّ مثالًا على التضخم.

هل التضخم جيد أم سيئ؟

التضخم ظاهرةً اقتصاديةً يُمكن أن تكون مُزدوجة التأثير، سلبية و إيجابية، إذ يتوقف أثره على مُعدله و مدى استقراره. بصفة عامة ، يُنظر إلى مُعدل التضخم المُعتدل والمُستقر على أنه عاملٌ إيجابيٌ يدعم الاقتصاد، فهو يُشجع على الإنفاق والاستثمار، إذ يتوقع المستهلكون والشركات ارتفاع الأسعار تدريجيًا، مما يدفعهم إلى شراء السلع أو الاستثمار في وقت مبكر بدلًا من التأجيل. يُحفز هذا النمو الاقتصادي ويُساعد على تجنب الركود الذي قد ينشأ في بيئة انكماشية. الكثير من البنوك المركزية، تستهدف مُعدل تضخم سنوي يبلغ حوالي 2% ، للحفاظ على التوازن بين النمو الاقتصادي واستقرار الأسعار.

بيد أنه عندما يُصبح التضخم مُرتفعًا جدًا أو غير مُتوقع، فقد تترتب عليه عواقب وخيمة. يُؤدي التضخم المُرتفع إلى تآكل القوة الشرائية، مما يعني أن المستهلكين يُصبحون قادرين على شراء سلع وخدمات أقل بنفس القدر من المال، وقد يُلحق هذا الضرر بالمدخرات ويُقلل من الثقة الاقتصادية العامة. إذا ارتفعت مُعدلات التضخم بسرعة كبيرة، فقد تُواجه الشركات صعوبةً في مُواكبة ارتفاع تكاليف الإنتاج، مما يُؤدي إلى دخول الاقتصاد في دوامة هبوط. كما يُمكن أن يُؤدي التضخم المُفرط إلى ارتفاع توقعات التضخم، مما يُسهم في تصاعد الأسعار بشكل أكبر؛ حيث تُعدل الشركات والعمال سلوكياتهم لمُواجهة ارتفاع الأسعار المُستمر. في مثل هذه الحالات، يُصبح الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي أكثر صعوبة.

ما الذي يُسبب التضخم؟

التضخم لا يُعزى إلى عاملٍ واحدٍ فقط، بل ينشأ عادةً عن تضافر عدة عوامل، من أهمها:

  • تضخم الطلب: يحدث هذا النوع من التضخم عندما يتجاوز الطلب الكلي على السلع والخدمات العرضَ المُتاح، مما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار. ويُلاحظ هذا عند زيادة الطلب على سلعةٍ مُعينة، مما يدفع المُنتجين إلى رفع سعرها.
  • تضخم التكلفة: تلجأ الشركات إلى رفع أسعار سلعها وخدماتها لتعويض ارتفاع تكاليف الإنتاج، وخاصةً تكاليف المواد الخام أو الأجور. فعلى سبيل المثال، قد تؤدي زيادة أسعار النفط إلى ارتفاع تكاليف النقل، مما يدفع الشركات إلى رفع أسعار منتجاتها.
  • التضخم المُستورد: يُؤثر ارتفاع أسعار السلع أو الخدمات المُستوردة على مستوى الأسعار المحلية. وتُعد الدول التي تعتمد بشكل كبير على الواردات أكثر عرضةً لهذا النوع من التضخم.
  • زيادة المعروض النقدي: يُؤدي الإفراط في طبع النقود من قِبل البنوك المركزية إلى انخفاض قيمة العملة، مما يُسبب ارتفاعًا في الأسعار، حيث تفقد العملة قوتها الشرائية.
  • توقعات التضخم: تُعد توقعات التضخم المُستقبلية من العوامل المُؤثرة في ارتفاع الأسعار. ففي ظل توقعات ارتفاع الأسعار، تلجأ الشركات إلى رفع أسعارها تحسبًا للتضخم، كما يطالب العمال بزيادة أجورهم، مما يُسهم في دفع مُعدل التضخم إلى الارتفاع.
تضخم الطلب و تضخم التكلفة

ما الذي يُسبب أكبر قدر من التضخم؟

استنادًا إلى التحليل الآنف الذكر، تتباين أسباب التضخم وفقًا للظروف، وغالبًا ما يكون لتضخم الطلب وتضخم التكلفة دورٌ أساسيٌّ في حدوثه. إضافةً إلى ذلك، يُمكن للسياسة النقدية المُتبعة وتقلبات أسعار النفط العالمية أن تُؤثِّرَ بشكلٍ كبيرٍ على أنماط التضخم.

كيف تُسيطر البنوك المركزية على التضخم؟

البنوك المركزية، مثل البنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، تؤدي دورًا محوريًا في السيطرة و التحكم في مستويات التضخم من خلال تطبيق السياسة النقدية. وتُعدّ تعديلات أسعار الفائدة إحدى أدواتها الرئيسية. فرفع سعر الفائدة يُثني عن الاقتراض والإنفاق، مما يُسهم في تهدئة الاقتصاد المُحموم و كبح جماح ارتفاع الأسعار. إضافةً إلى ذلك، تلجأ البنوك المركزية إلى عمليات السوق المفتوحة، كشراء أو بيع السندات الحكومية، للتأثير على المعروض النقدي. كما تُعدّل متطلبات الاحتياطي الإلزامي، التي تُحدد نسبة رأس المال الذي يجب على البنوك الاحتفاظ به كاحتياطي. وتُساعد هذه الإجراءات مجتمعةً في ضبط النشاط الاقتصادي، وضمان استقرار معدل التضخم، والحيلولة دون وقوع الآثار السلبية للارتفاع المستمر للتضخم.

التضخم العالمي: كيف يختلف التضخم عبر البلدان؟

يتباين التضخم بشكل ملحوظ بين الدول نتيجة لمجموعة من العوامل، مثل السياسات الاقتصادية، واستقرار العملة، والأحداث الخارجية كالحروب أو الأوبئة. بعض الدول تشهد مستويات تضخم معتدلة، حيث يُحافظ معدل التضخم على استقرار نسبي، مما يُحفز النشاط الاقتصادي السليم دون تآكل كبير في القوة الشرائية. على سبيل المثال، الاقتصادات المتقدمة، مثل الولايات المتحدة وألمانيا، إلى امتلاك بنوك مركزية تُراقب وتُنظّم معدلات التضخم بدقة من خلال تعديل أسعار الفائدة وإدارة المعروض النقدي. في المقابل، غالبًا ما تُواجه الدول ذات العملات غير المستقرة أو السياسات الاقتصادية الهشة، مثل فنزويلا وزيمبابوي، تضخم مرتفع أو حتى تضخم مُفرط، حيث ترتفع الأسعار بوتيرة سريعة، مما يجعل السلع والخدمات الأساسية باهظة التكلفة. يُمكن أن تُسهم الأحداث العالمية، مثل ارتفاع أسعار الطاقة أو اضطرابات سلاسل التوريد، في تضخم التكلفة، حيث ترتفع تكاليف الإنتاج، وتُحمّل الشركات هذه التكاليف على المستهلكين، مما يُؤدي إلى زيادات في الأسعار على نطاق واسع.

يُمكن أيضًا رصد أنواع مختلفة من التضخم، مثل تضخم الطلب، على الصعيد العالمي، حيث يرتفع الطلب على السلع والخدمات و يتجاوز العرض المُتاح، مما يُفضي إلى ارتفاع الأسعار. والدول التي تعتمد بشكل كبير على الواردات أكثر عُرضة لهذه التغيرات في الأسعار، خاصةً عند تذبذب أسعار الطاقة. علاوةً على ذلك، تستخدم الحكومات أدوات مثل الناتج المحلي الإجمالي وإحصاءات العمالة لقياس التضخم وتتبع كيفية تأثير زيادات الأسعار على الاقتصاد مع مرور الوقت. ومع ذلك، قد يختلف التضخم الفعلي الذي يلمسه المستهلكون بسبب التفاوت في تكلفة المعيشة وتوافر السلع. استجابة الدول لضغوط التضخم، تتمثل في رفع البنوك المركزية لأسعار الفائدة للحد من تدفق الأموال إلى الاقتصاد، سعيًا إلى تحقيق استقرار في التضخم دون الإضرار بالنمو الاقتصادي.

التضخم في الأسواق الناشئة مقابل الأسواق المُتقدمة

تتباين ديناميكيات التضخم بشكلٍ ملحوظ بين الأسواق الناشئة والاقتصادات المتقدمة، ويعزى ذلك بصفةٍ أساسية إلى التفاوت في هيكل الاقتصاد ومستوى الاستقرار ودرجة التأثر بالعوامل العالمية. ففي الأسواق الناشئة، يتكرر حدوث التضخم نتيجةً لـتأثر هذه الاقتصادات بشكل أكبر بالعوامل الخارجية، كعجز المعروض أو تقلبات الأسعار العالمية. حيث تعتمد الدول النامية عادةً على استيراد السلع بشكلٍ كبير، مما يجعلها أكثر عرضةً للتضخم المُستورد، الذي قد ينشأ عن اضطراب سلاسل التوريد العالمية أو نقص السلع المتاحة لتلبية الطلب المحلي. ونتيجةً لذلك، تتصاعد ضغوط التضخم بوتيرةٍ سريعة، مؤديةً إلى ارتفاع أسعار المستهلك وتراجع القوة الشرائية. يضاف إلى ذلك أن الأسواق الناشئة غالباً ما تواجه صعوبةً في مواكبة نمو الأجور لمعدلات التضخم، مما يُفاقم الضغط على الاقتصاد المحلي.

في المقابل، تتميز الاقتصادات المتقدمة بمعدلات تضخم أكثر استقراراً، مدفوعةً بعوامل داخلية في المقام الأول، كإنفاق المستهلك المحلي ونمو الأجور والإنفاق الحكومي. ويرتبط التضخم في هذه الاقتصادات بعوامل الطلب، حيث تؤدي زيادة الطلب على السلع والخدمات إلى ارتفاع الأسعار. غير أن ذلك لا يعني أن الأسواق المتقدمة بمنأى عن الصدمات الخارجية، فقد يُؤدي نقص المعروض أو ارتفاع أسعار الطاقة العالمية إلى توليد ضغوط تضخمية، إلا أن امتلاكها لمنتجين محليين أقوى وأدوات مالية ونقدية أكثر تطوراً يُمكّنها من التعامل مع هذه التحديات بفعاليةٍ أكبر. وفي بعض الحالات، قد تظهر دوامة الأجور والأسعار إذا تجاوز نمو الأجور الإنتاجية، مما يُفضي إلى تفاقم التضخم، حيث تلجأ الشركات إلى رفع الأسعار لتغطية تكاليف الأجور المرتفعة. وتُؤدي هذه الديناميكية دورًا مختلفًا في كلّ نوعٍ من الاقتصادات، لكن كليهما يتأثر بالتوازن الدقيق بين النمو الاقتصادي ومكافحة التضخم.

كيف يؤثر التضخم على المستهلكين والشركات

التضخم لديه تأثير بالغ على المستهلكين والشركات، و قدرتهم على شراء وبيع السلع والخدمات. بالنسبة للمستهلكين، يُفضي تضخم الأسعار إلى تراجع القوة الشرائية، ما يعني انخفاض كمية السلع والخدمات التي يُمكنهم الحصول عليها مقابل دخلهم. نتيجةً لذلك، غالبًا ما يتراجع إنفاق المستهلكين، خصوصًا على السلع الكمالية، إذ تُعيد الأسر توزيع ميزانياتها لمُواجهة ارتفاع التكاليف. عندما ترتفع الأسعار بوتيرة مُتسارعة، قد يُطالب العُمّال بزيادة الأجور لمُواكبة تكلفة المعيشة، الأمر الذي يُسهم في تفاقُم التضخم إذا ما استجابت الشركات برفع الأسعار لتغطية نفقات هذه الأجور المُتزايدة.

أمّا بالنسبة للشركات، فإنّ التضخم يُؤدّي إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج، لا سيّما تكاليف المواد الخام والعمالة. وقد تضطرّ الشركات إلى رفع أسعار سلعها وخدماتها للحفاظ على هوامش الربح، وتحميل المستهلكين عبء التكاليف المُرتفعة. مع ذلك، قد يُفضي هذا إلى انخفاض الطلب، ومن ثَمّ إلى خفض الإنتاج. كما يُمكن أن تُؤدّي تغيُّرات الأسعار إلى حالة من عدم اليقين لدى الشركات، مما يُعيق التخطيط للاستثمارات طويلة الأجل أو الحفاظ على استقرار العمليات. في بعض الحالات، يُمكن أن يُؤدّي التضخم إلى حلقة مُفرغة من ارتفاع الأجور والأسعار، حيث يُطالب العُمّال بزيادة الأجور، وترفع الشركات الأسعار استجابةً لذلك، مما يخلق دورة ذاتية التغذية من ارتفاع التكاليف في جميع مكوّنات الاقتصاد.

كيف يؤثر التضخم على المتداولين وسوق الفوركس؟

التضخم يخلق حالة من عدم اليقين في الأسواق المالية، التي بدروها تُشكّل تحديات للمتداولين. إذ يُمكن أن تؤثر زيادة الأسعار على ربحية الشركات، مما قد يُؤدي إلى عدم استقرار سوق الأسهم. وعليه، ينبغي على المتداولين أن يتحلّوا بالمرونة تجاه تقلبات الأسعار في فترات التضخم.

كما أن معدلات التضخم المرتفعة يُمكن أن تُؤثّر على أسعار صرف العملات. ففي سوق الفوركس، غالبًا ما تُواجه البلدان التي تعاني من تضخم مُرتفع انخفاضًا في قيمة عملتها. ولمواجهة التضخم، قد تلجأ البنوك المركزية إلى رفع أسعار الفائدة، وهو إجراء يُمكن أن يُعزز قيمة العملة.

عندما ترتفع أسعار الفائدة، غالبًا ما تُقابل بزيادة في قيمة عملة الدولة في سوق الفوركس. حيث أن أسعار الفائدة المرتفعة عامل جذب لرؤوس الأموال الأجنبية التي تسعى إلى عوائد أكبر، مما يُؤدي إلى ارتفاع قيمة العملة.

العلاقة بين التضخم والأجور: هل تواكب الرواتب الارتفاعات؟

تلعب العلاقة بين التضخم والأجور دورًا مهمًا في تحديد مدى مواكبة دخل الأفراد لارتفاع الأسعار. من المفترض، نظرياً، أن يصاحب ارتفاع الأسعار ارتفاعٌ في الأجور بما يحفظ القدرة الشرائية للمستهلك. إلا أن الواقع قد لا يجاري النظرية دائماً. فإذا لم ترتفع الأجور بنفس وتيرة ارتفاع الأسعار، تتراجع القدرة الشرائية للأفراد، ويصبحون غير قادرين على شراء نفس السلع والخدمات التي كانوا يحصلون عليها سابقاً. ويتفاقم هذا الخلل في حال زيادة المعروض النقدي، مما يؤدي إلى تفاقم التضخم دون أن يقابله نمو مماثل في الأجور. وفي حين أن ارتفاع الأجور يُعد ضرورياً للتعويض عن آثار التضخم، فإن ارتفاعها بوتيرة متسارعة قد يُسهم في زيادة التضخم، حيث تلجأ الشركات إلى رفع الأسعار لتغطية تكاليف العمالة المتزايدة. وهكذا تنشأ معادلةٌ دقيقة بين إدارة ارتفاع الأسعار والحفاظ على قدرة العمال على تحمل تكاليف المعيشة.

التضخم المفرط مقابل الانكماش

التضخم المفرط والانكماش ظاهرتين اقتصاديتين متطرفتين متناقضتين، لهما عواقب وخيمة على المدى البعيد. يحدث التضخم المفرط عندما ترتفع الأسعار بحدّة و باستمرار، مما يؤدي إلى تآكل القوة الشرائية للنقود. غالبًا ما يُعزى ذلك إلى زيادة المعروض النقدي، أو السياسات المالية غير الرشيدة، أو الأزمات كالحروب والكوارث الطبيعية. ولعلّ أبرز الأمثلة على ذلك جمهورية فايمار الألمانية في عشرينيات القرن الماضي، حيث بلغ التضخم مستويات فلكية، فتضاعفت الأسعار عدة مرات في غضون أيام قليلة. في المقابل، يُعرّف الانكماش بأنه انخفاض مستمر في المستوى العام للأسعار، وغالباً ما يكون مدفوعًا بانخفاض الطلب الكلي، مما يؤدي إلى انخفاض الإنفاق الاستهلاكي وتراجع الأجور. ويُعدّ العقد الضائع في اليابان في تسعينيات القرن الماضي مثالًا واضحًا على الانكماش، حيث أدى انخفاض الأسعار إلى ركود النمو الاقتصادي. يُهدّد كل من التضخم المفرط والانكماش استقرار الاقتصادات، إذ يُؤثر سلبًا على الإنفاق الاستهلاكي والاستثمار والإنفاق الحكومي.

الركود التضخمي: ماذا يحدث عندما يرتفع التضخم والبطالة معًا؟

الركود التضخمي هو حالة اقتصادية نادرة ومقلقة، حيث يتزامن ارتفاع مُعدل التضخم مع ارتفاع مُعدل البطالة وتباطؤ النمو الاقتصادي. وخلافًا للتضخم التقليدي، الذي قد ينجم عن زيادة الطلب الكلي، فإن الركود التضخمي عادةً ما يحدث بفعل صدمات العرض، كارتفاع أسعار الطاقة أو الكوارث الطبيعية، التي تُحد من قدرة الاقتصاد على إنتاج السلع والخدمات. وتُعد أزمة النفط في سبعينيات القرن الماضي مثالًا واضحًا على ذلك، حيث أدى ارتفاع أسعار النفط ونقص المعروض إلى ارتفاع مُعدل التضخم مصحوبًا بارتفاع مُعدل البطالة. وفي مثل هذه الحالات، قد تؤدي الأدوات الاقتصادية التقليدية، كرفع أسعار الفائدة، إلى تفاقم مُعدل البطالة، مما يُوجد مُعضلةً على صعيد السياسات الاقتصادية. ويُؤدي الإنفاق الحكومي والتوقعات التضخمية دورًا هامًا في زيادة آثار الركود التضخمي أو التخفيف منها.

استراتيجيات الاستثمار خلال فترات التضخم

  • أسوأ الاستثمارات أثناء التضخم: الاحتفاظ بالنقد من أسوء الخيارات و أقلها جاذبية خلال في فترات التضخم، إذْ تتراجع قوته الشرائية مع ارتفاع الأسعار. كذلك، تنخفض قيمة السندات طويلة الأجل ذات العائد الثابت في ظلِّ بيئة تضخمية. فعندما ترتفع أسعار الفائدة، تفقد هذه السندات جاذبيتها، مما يؤدي إلى انخفاض قيمتها السوقية.
  • أفضل الاستثمارات لمواكبة التضخم: خلال فترات التضخم، يُنظر عادةً إلى العقارات والذهب كخيارات استثمارية آمنة وموثوقة. فالعقارات تميل إلى الاحتفاظ بقيمتها، بل وزيادتها مع مرور الوقت، بينما يُعدُّ الذهبُّ ملاذ آمن تقليدي في فترات ارتفاع الأسعار.
  • الأصول والأدوات المناسبة للاستثمار أثناء التضخم: يُنصَحُ بتنويع المحفظة الاستثمارية في أوقات التضخم، وذلك بتوجيه الاستثمارات نحو أصول مثل العقارات والذهب وأسهم شركات الطاقة والسلع. إضافةً إلى ذلك، تُعدُّ سندات الخزانة الأمريكية المُقاوِمة للتضخم (TIPS) أداةً فعّالةً للحفاظ على القوة الشرائية، إذْ إنها مصممةٌ للتكيف مع معدلات التضخم.

الاستثمارات المحمية من التضخم

الاستثمارات المحمية من التضخم هي أدوات مالية تهدف إلى مساعدة المستثمرين في الحفاظ على قوتهم الشرائية أثناء فترات ارتفاع التضخم. ومن الخيارات الشائعة سندات الخزانة الأمريكية المحمية من التضخم (TIPS)، وهي سندات حكومية تتغير قيمتها الاسمية تبعًا لتغيرات معدل التضخم. فمع ارتفاع أسعار المستهلك، ترتفع القيمة الاسمية لسندات TIPS، وتزيد مدفوعات الفائدة، التي تُحسب كنسبة مئوية من القيمة الاسمية المُعدّلة. ويُعدّ هذا الخيار مناسبًا للمستثمرين المتحفظين الذين يسعون إلى التحوط من التضخم دون التعرض لمخاطر عالية. وتشمل الاستثمارات الأخرى التي توفر حماية من التضخم السلع العقارية، وصناديق الاستثمار المشتركة المرتبطة بالتضخم، والتي قد تُوفّر حماية إضافية من خلال الاستفادة من الأصول التي ترتفع قيمتها عادةً مع حدوث التضخم.

تداول العقود مقابل الفروقات CFD لأصول الملاذ الآمن

    تداول العقود مقابل الفروقات (CFD) لأصول الملاذ الآمن أداةً فعّالةً للمستثمرين الراغبين في حماية محافظهم الاستثمارية في فترات التضخم. إذ تميل أصول الملاذ الآمن إلى الحفاظ على قيمتها أو زيادتها في أوقات عدم اليقين الاقتصادي، مما يجعلها خيارًا مُفضّلاً عندما يؤدي التضخم إلى تآكل القوة الشرائية. وتُمكّن العقود مقابل الفروقات على هذه الأصول، المستثمرين من المضاربة على تحركات الأسعار دون الحاجة إلى امتلاك الأصل الأساسي، الأمر الذي يوفر المرونة والرافعة المالية. وفيما يلي بعض أصول الملاذ الآمن التي تُتداول عادةً كعقود مقابل فروقات خلال فترات التضخم:

  • الذهب: لطالما عُرف الذهب تاريخيا بقدرته على الحفاظ على قيمته في ظلّ التضخم، مما يجعله أحد أبرز أصول الملاذ الآمن. وتسمح عقود مقابل الفروقات على الذهب للمستثمرين بالاستفادة من تقلبات أسعاره دون الحاجة إلى امتلاك المعدن ذاته.
  • السندات الحكومية: وخاصةً السندات المحمية من التضخم مثل سندات الخزانة الأمريكية المحمية من التضخم (TIPS)، أداةً للتحوّط من ارتفاع الأسعار والتضخم. وتُتيح العقود مقابل الفروقات على هذه السندات للمستثمرين الاستفادة من هذه الميزة.
  • الفرنك السويسري (CHF): غالبًا ما يُنظر إلى الفرنك السويسري على أنه عملة ملاذ آمن في أوقات عدم الاستقرار الاقتصادي، مما يجعله خيارًا شائعًا لمتداولي العقود مقابل الفروقات الذين يسعون إلى الاستقرار في فترات التضخم.
  • الين الياباني (JPY): على غرار الفرنك السويسري، يُعدّ الين الياباني، عملةً تميل إلى الحفاظ على قيمتها في ظلّ ارتفاع التضخم وعدم اليقين الاقتصادي.
  • أسهم شركات المرافق و الخدمات: تتميّز شركات المرافق بتأثرها المحدود بالتضخم نظرًا للطلب المستمر على خدماتها الأساسية. ويمكن أن تُوفّر العقود مقابل الفروقات على أسهم المرافق عوائد ثابتة نسبيًا خلال فترات التضخم.
  • ولكن، تجدر الإشارة إلى أن تداول العقود مقابل الفروقات CFDs، حتى على ما يُسمّى بأصول "الملاذ الآمن"، ينطوي على مخاطر عالية وقد لا يكون مناسبًا لجميع المستثمرين. فالعقود مقابل الفروقات أدوات مُعقّدة تعتمد على الرافعة المالية، والتي يمكن أن تُضخّم المكاسب والخسائر على حدّ سواء. ومن المُمكن أن يخسر المستثمر أكثر من رأس ماله المستثمر، خاصةً في ظلّ ظروف السوق المُتقلبة. وعلى الرغم من أن أصول الملاذ الآمن، مثل الذهب والسندات الحكومية وبعض العملات، تُعتبر تقليديًا مُستقرةً نسبيًا في أوقات عدم اليقين الاقتصادي، إلا أن أسعارها تبقى عرضةً للتقلّب، لا سيّما عند تداول العقود مقابل الفروقات. لذا، يجب على المستثمرين فهم المخاطر المُترتّبة على تداول العقود مقابل الفروقات بدقة، والتأكد من اتّباع استراتيجيات مناسبة لإدارة المخاطر، و طلب المشورة من أخصائي في الاستثمار المالي قبل الشروع في التداول.

كيفية التداول خلال فترة التضخم

لإدارة مخاطر الاستثمار بفعالية خلال فترات التضخم، يُنصح بتنويع المحفظة الاستثمارية عبر فئات أصول مُختلفة. وتشمل الإستراتيجية المُتوازنة توزيع الاستثمارات على الأسهم، والعقارات، والمعادن النفيسة كـ (الذهب)، والسلع.

بالإضافة إلى ذلك، يُعد اختيار الأسهم الدفاعية قرارًا حكيمًا، مع التركيز على القطاعات الأقل عُرضة لتقلبات التضخم، مثل السلع الاستهلاكية الأساسية، والرعاية الصحية، والطاقة.

أيضا، قد يكون من المُفيد للمتداولين المُضاربة على العملات التي يُتوقع ارتفاع قيمتها نتيجةً لرفع أسعار الفائدة لمكافحة التضخم.

أهم الأفكار المستخلصة:

  1. الأسباب الرئيسية للتضخم: تضخم الطلب، تضخم التكلفة، زيادة المعروض النقدي، التضخم المُستورد، وتوقعات التضخم.
  2. تأثيرات التضخم على المُتداولين: يُمكن أن يُسبب التضخم تقلُّبات في سوق الأسهم وسوق الفوركس، مما يؤثر على قيم العملات وربحية الشركات.
  3. تأثير التضخم على المُستهلكين والشركات: يُؤدي ارتفاع الأسعار إلى انخفاض القوة الشرائية، بينما تُجبر تكاليف الإنتاج المُرتفعة الشركات على رفع الأسعار، مما قد يُؤدي إلى انخفاض الطلب.
  4. الاستثمارات المُحمية من التضخم: يُنصح بالاستثمار في سندات الخزانة الأمريكية المُحمية من التضخم (TIPS)، والسلع، والأسهم الدفاعية، والعقارات للمُحافظة على القوة الشرائية.
  5. التنويع أثناء التضخم: حتى عند التداول بما قد يعتبره البعض أصول "الملاذ الآمن"، من المهم توزيع الاستثمارات عبر فئات أصول مُتعددة، مثل العقارات، والمعادن النفيسة، و أسهم شركات الدفاع من أجل أفضل إدارة للمخاطر.

اتخاذ الإجراءات: التعامل مع التضخم بثقة

التضخم هو قوة مُعقدة وحيوية تُشكل الأسواق الاقتصادية، وسلوك المُستهلك، وإستراتيجيات التداول. لفهم تأثير التضخم على الشركات، المستهلكين، والأسواق المالية، يجب الإلمام بأسبابه، سواء كان تضخمًا ناتجًا عن زيادة الطلب، أو التضخم الناتج عن ارتفاع التكاليف، أو السياسة النقدية، أو الأحداث العالمية. بالنسبة للمُتداولين، يخلق التضخم الكثير من التقلُّبات في السوق، ولكن مع وجود الإستراتيجيات الصحيحة - مثل تنويع الاستثمارات، والتركيز على أصول الملاذ الآمن، والاستفادة من الأوراق المالية المُحمية من التضخم - توجد فُرص لحماية المحافظ والاستفادة من تحركات السوق.

هل أنت مُهتم بتداول الذهب والسلع الأخرى؟ ألقِ نظرة على ما تُقدمه Exness من حسابات التداول المُختلفة التي يُمكن أن تُساعدك على النجاح في رحلة التداول. تذكّر دائمًا أن تتدرّب أولا على تداولاتك واستراتيجياتك عبر الحساب التجريبي.

مشاركة

تداوَل مع وسيط موثوق به اليوم