"تجربتي الشخصية مع المالية السلوكية في التداول: دروس استقيتها من الواقع "

Chanatip Sone

رئيس فريق استراتيجيي أسواق المال

ما الذي يدفع المتداولين إلى التشبّث بالصفقات الخاسرة، بينما يسارعون إلى إغلاق الصفقات الرابحة قبل أوانها؟ في هذا المقال، يتناول خبير التداول شاناتيب سون Chanatip Sone الجوانب النفسية المؤثرة في قرارات المتداول، ويسلّط الضوء على تحيّزات مثل النفور من الخسارة. ويقترح في هذا السياق استراتيجيات واضحة لمساعدة المتداولين الجدد على اتخاذ قرارات مدروسة ومنضبطة في السوق.

من تجربتي كمتداول، لاحظت أن الصعوبات الحقيقية لا تأتي من حركة الأسواق وتقلباتها، بل من عواطفنا ومشاعرنا الداخلية. كنت أحيانًا أتمسك بصفقة خاسرة آملًا أن يتحسّن السعر، أو أتسرع في جني ربح بسيط خوفًا من فقدانه. هذه التصرفات ليست مجرد أخطاء بسيطة أو عادات سيئة، بل هي انعكاس لمشاعر و تحيّزات نفسية عميقة، مثل الخوف و النفور من الخسارة والرغبة في التصرف السريع، وهي شائعة بين جميع المتداولين، خاصة المبتدئين. سأشارك معكم في هذا المقال تجربتي الشخصية مع هذه المشاعر، وأشرح لكم أسباب حدوثها، مع تقديم نصائح فعّالة للتعامل معها. الهدف ليس تجاهل المشاعر أو التخلص منها بالكامل، فهذا غير ممكن، وإنما فهمها وإدارتها بشكل عقلاني ومتوازن.

فهم الانحيازات النفسية في التداول

بوصفي متداولًا نشطًا في أسواق المال، لاحظت ظاهرة عجيبة تؤثر في سلوك المتداولين، وأنا منهم، سواء كانوا جددًا أو أصحاب خبرة. ترجع هذه الظاهرة إلى انحيازات نفسية تؤثر على قرارات التداول، وأبرزها النفور من الخسارة و ما يُعرف بتأثير التصرّف(disposition effect) أو أثر النزعة على البيع. تدفع الكثير من المتداولين للتمسك بالصفقات الخاسرة مدة طويلة، وفي المقابل يسارعون إلى إغلاق الصفقات الرابحة مبكرًا ، بما يتعارض مع مبدأ تعظيم المكاسب وتقليص الخسائر.

أثر النفور من الخسارة

من منظور نفسي، الشعور بالألم عند خسارة دولار واحد أشدّ وقعًا على النفس من الشعور بالسعادة عند ربح دولار مماثل. لهذا السبب، يميل كثير من المتداولين إلى تجنّب الاعتراف بالخسارة، ويفضّلون الاحتفاظ بالصفقات الخاسرة على أمل تحسّن الأوضاع. بل إن بعضهم يقدم على فتح صفقات إضافية في الاتجاه نفسه، آمِلًا أن تعوّض الأرباح المحتملة من الصفقة الجديدة خسائر الصفقة الأولى.

صراع غير عقلاني لتفادي الخسائر

لقد شهدت نماذج عديدة لمتداولين يقاومون الواقع بدافع نفسي بحت، فيسعون لتبرير مواقفهم عبر الادّعاء بأنهم "بذلوا كل ما في وسعهم" لتفادي الخسارة، رغم أن تصرّفهم في حقيقته لا يستند إلى منطق أو تحليل سليم.

أثر الانحياز السلوكي في البيع المبكر

كثيرًا ما أرى متداولين يقعون في شَرَك " أثر التصرّف أو النزعة إلى البيع" ين يُقدمون على بيع صفقاتهم قبل أوانها، لمجرّد أنها حقّقت ربحًا طفيفًا. وقد وجدت نفسي، غير مرّة، أقع في ذات الفخ، مدفوعًا بهاجس الخوف من ضياع مكاسب تحققت بشق الأنفس، فأبادر إلى البيع قبل أن تتاح للصفقة فرصة للنمو.

الربح كأنه مال مجاني

حين يحقق المرء ربحًا، يراوده شعور داخلي بأن ما كسبه ليس ملكًا خالصًا له، بل كأنه مال جاءه من غير جهد، فيسارع إلى اقتناصه قبل أن يتبدّد. هذا الشعور يعاكس "النفور من الخسارة"، حيث ينظر الناس إلى الخسارة باعتبارها انتقاصًا من أموالهم الخاصة، لا يمكن التفريط به.

إدراك الانحيازات النفسية في التداول وإدارتها

الخطوة الأولى نحو التغلّب على هذه الانحيازات تكمن في الاعتراف بها وإدراك وجودها. فحين يدرك المتداول أن ما يشعر به ليس سوى ردّ فعل نفسي شائع، يمكنه آنذاك أن يفصل بين مشاعره وقراراته، ويزن خطواته بعين العقل لا بدافع الخوف أو الطمع.

وضع قواعد مسبقة للتداول

من السُبل المُجدية كذلك، أن يضع المتداول قواعد واضحة قبل الدخول في السوق، كأن يحدد مستويات وقف الخسارة وجني الأرباح سلفًا. هذه القواعد تعينه على تجنّب الانفعال الآني، وتُسهم في ترسيخ الانضباط والحيادية في اتخاذ القرار.

مراجعة سجل التداول للتأمّل والتقييم

من الاستراتيجيات المفيدة أيضاً أن أراجع بانتظام سجل التداول وأتأمل في القرارات الماضية. فمن خلال هذه المراجعة يمكنني فهم سلوكي أثناء التداول، واكتشاف الأنماط المتكررة التي تنتج عن الانحيازات النفسية مثل أثر النفور من الخسارة أو الميل إلى البيع المبكر. وعندما أنتبه لهذه الأنماط، أصبح قادرًا على تعديل سلوكي واتخاذ قرارات أفضل في التداولات التالية.

التنويع لتقليل الأثر النفسي

التنويع من أهم الوسائل التي تساعد في تخفيف أثر الانحيازات النفسية. فعندما نوزّع رأس المال على أصول متنوّعة وفي قطاعات مختلفة، فإن الخسارة التي تحدث في أصل واحد تصبح أقل تأثيرًا على مشاعرنا، ما يحدُّ من قوّة النفور من الخسارة في قراراتنا. كما أنصح بمراقبة الأداء بناءً على كامل المحفظة وليس على أصل بمفرده. فهذا يجعلنا نرى بوضوح فائدة التنويع عندما تعوّض أرباحُ بعض الأصول خسائرَ أصولٍ أخرى.

الاستعانة برأي محايد

وأخيرًا، لا بأس في طلب مشورة من طرف خارجي يتّسم بالموضوعية. فالرأي المحايد قد يكشف عن جوانب خفية في قراراتنا، ويساعد في التصدّي للانحيازات اللاواعية التي قد تعصف بحُسن التقدير.

أبرز الأفكار المستخلصة

  1. النفور من الخسارة يدفع للاحتفاظ بالصفقات الخاسرة: كثير من المتداولين يعجزون عن إغلاق صفقاتهم الخاسرة في الوقت المناسب، خشية مواجهة ألم الخسارة نفسيًا، مما يؤدي غالبًا إلى تفاقم الخسائر المالية.
  2. أثر الجنوح السلوكي في التصرّف يدفع لجني الأرباح مبكرًا: يُسارع العديد من المتداولين إلى إغلاق صفقاتهم الرابحة خوفًا من ضياع الأرباح، ما يقيّد إمكانياتهم في تحقيق مكاسب أكبر
  3. وضع قواعد تداول مسبقة يخفّف من وطأة الانحياز العاطفي: الاعتماد على أوامر وقف الخسارة وجني الأرباح يسهم في تقنين القرارات ومنع التفاعل العاطفي الزائد مع السوق.
  4. مراجعة الصفقات السابقة تكشف عاداتك في التداول: مراجعة و تقييم قرارات التداول السابقة يساعد في رصد الانحيازات النفسية التي تؤثر على الأداء، وبالتالي تصحيحها.
  5. تنويع الأصول يقلل من الضغوط النفسية: التركيز على أداء محفظتك بالكامل بدلاً من التفكير بكل صفقة وحدها، يخفف من التوترات النفسية المرتبطة بالتداول.

أفكار ختامية

لا شك أن النفور من الخسارة و أثر النزعة إلى البيع يؤثران بعمق على سلوك المتداول، وغالبًا ما ينتج عن ذلك قرارات خاطئة. غير أن الفهم العميق لهذه الانحيازات النفسية، والسعي للحد من آثارها عبر استراتيجيات مدروسة، يمنح المتداول فرصة لاتخاذ قرارات أكثر اتزانًا. الهدف هنا ليس القضاء على المشاعر في التداول، فذلك غير واقعي، بل هو التعرف على ردود الفعل العاطفية وضبطها ضمن إطار تداول عقلاني ومنضبط.مع الوقت والتدريب، أرى أنّ بإمكاننا جميعًا تعلم سُبل التعامل مع انحيازاتنا النفسية، والسير نحو النجاح بثقة وثبات.

لترسيخ الثقة وصقل استراتيجيتك، ركّز على تبنّي أساليب صارمة في إدارة المخاطر، ودرّب نفسك على الانضباط من خلال الحساب التجريبي قبل المخاطرة برأس مال حقيقي. إن اتباع نهج منظم لإدارة المخاطر، مقرونًا بالوعي العاطفي، قد يُحدث فارقًا جوهريًا في تحقيق النجاح على المدى الطويل. ابدأ التدريب اليوم واتخذ خطوتك الأولى نحو أن تصبح متداولًا أكثر عقلانية وثباتًا.

مشاركة

تداوَل مع وسيط موثوق به اليوم