أثر الذكاء الاصطناعي على ديناميكيات الاقتصاد: كيف يغيّر طريقة تداولك؟

صحفي أسواق المال لدى Exness

AR.heroimage.Exness Insights أثر الذكاء الاصطناعي في الاقتصاد@3x.png

كيف يؤثّر الذكاء الاصطناعي في حركة الاقتصاد، ويعيد رسم ملامح التفوّق في عالم التداول؟ في هذا التحليل المعمَّق، يستعرض الصحفي في أسواق المال بول ريد Paul Reid كيف يُحدث الذكاء الاصطناعي تحولًا جذريًا في سلوك الأسواق، وسرعة تحرّكها، وما تتيحه من فرص—سواء نحو الأفضل أو الأسوأ.

لقد بدأ الذكاء الاصطناعي بالفعل يُحدث ثورة في مجالي الرياضيات والعلوم، بعدما نجح في حلّ مسائل استعصت طويلًا حتى على أذكى العقول. ومع كل جيل جديد، تزداد نماذج الذكاء الاصطناعي قوّة وقدرة على كشف الأنماط، وإثبات النظريات، ومحاكاة الأنظمة المعقدة التي تتجاوز قدرة الإنسان على الفهم أو التنبؤ. هذا التقدّم المتسارع في القدرة الحسابية يدفع بعجلة الابتكار في مجالات متعددة، من حلّ المسائل الرياضية العميقة، إلى دفع عجلة التطورات في الفيزياء الكمّية والبيولوجيا. أما اليوم، فقد دخل الذكاء الاصطناعي بقوة إلى عالم المال، وبدأ يؤثر في اتجاهات الاقتصاد العالمي. قدرته على تحليل كميات هائلة من البيانات والتنبؤ بسلوك الأسواق بسرعة ودقة غير مسبوقتين، أحدثت تحولًا جذريًا في أساليب التداول، وإدارة المخاطر، واغتنام الفرص، بما لم يكن يُتصوّر منذ عشر سنوات فقط. فلنغص معًا في هذا التحوّل التكنولوجي، ونستعرض أثر الذكاء الاصطناعي في ديناميكيات الاقتصاد وعمليات التداول، لعلّنا نظفر بشيء من عوائد هذا الترابط السببي المتوقّع في مراحله الأولى.

الذكاء الاصطناعي في الأسواق المالية: ثورة السرعة

أبرز أثرٍ للذكاء الاصطناعي في عالم المال اليوم هو السرعة. فقد باتت الأدوات المعتمدة على الذكاء الاصطناعي تمسح كميات هائلة من البيانات، تحللها، وتتفاعل معها في أجزاء من الثانية. لطالما استخدمت المؤسسات المالية الكبرى التداول الآلي، لكن النماذج التوليدية للذكاء الاصطناعي ذهبت أبعد من ذلك، فهي تفهم السياق والتفاصيل الدقيقة، بل وحتى المشاعر المستخلصة من الأخبار، وتقارير الأرباح، والمعطيات الاقتصادية. وهذا يعني أن الأسواق تتحرك الآن أسرع من أي وقت مضى. لقد شهدت بنفسي كيف اختصر الذكاء الاصطناعي ردود الفعل في السوق، التي كانت تستغرق خمس عشرة دقيقة بعد صدور قرارات مهمة مثل قرارات مجلس الاحتياطي الفيدرالي أو نتائج الشركات، إلى مجرد ثوانٍ. لم يعد هناك ما يُعرف بانجراف ما بعد الإعلان، الذي كانت تتحرّك فيه الأسهم لساعات أو أيام بعد مفاجأة ما؛ إذ أصبحت روبوتات الذكاء الاصطناعي تسعّر الأخبار الجديدة لحظة صدورها.. إن كنت تتداول خلال اليوم أو تعتمد استراتيجيات قصيرة الأجل، فاعلم أن هذه السرعة غيّرت قواعد اللعبة. لم يعد من السهل الحفاظ على أفضلية التداول كما في السابق، وهذا نتيجة مباشرة لأثر الذكاء الاصطناعي المتزايد على الاقتصاد، ولا سيما في مجال التداول عالي التردد.

الكفاءة المتزايدة خلف الكواليس

لم يقتصر أثر الذكاء الاصطناعي على تسريع التداول فحسب، بل توسّع ليشمل أتمتة عدد كبير من العمليات اليدوية داخل البنوك والمؤسسات المالية، مثل إعداد مراسلات العملاء، وتقييم المخاطر، وفحوصات الامتثال. على سبيل المثال، أطلق بنك Citibank أدوات ذكاء اصطناعي جديدة لمساعدة آلاف الموظفين على العمل بسرعة وفاعلية أكبر. هذا الأثر المتسلسل، الناتج عن أثر الذكاء الاصطناعي في الاقتصاد، جعل الأسواق تتفاعل بقدر أكبر من الكفاءة، إذ أصبحت الأسعار تعكس المعلومات الهامة في اللحظة نفسها تقريبًا. ومن وجهة نظر المتداول، فإن هذه الكفاءة تمثّل سيفًا ذا حدّين؛ فهي من جهة تقلّل من الضجيج والتقلّبات العشوائية التي كانت تنتج عن تأخّر وصول المعلومات. لكنها من جهة أخرى تُضعف فرص التداول التي كانت تعتمد على بطء استيعاب السوق للأخبار. فالسوق لم يَعُد يتأخّر في التفاعل، بل يردّ مباشرة على أي تطوّر.

تحليلات التنبؤ: كيف تُغيّر الذكاء الاصطناعي من أثره في الاقتصاد

من أبرز قدرات الذكاء الاصطناعي "تحليلات التنبؤ"، إذ تمكّنه النماذج التي تجمع بين البيانات التاريخية والمدخلات اللحظية ومعالجة اللغة الطبيعية من توقّع تحرّكات السوق بدقّة متزايدة. لا يعني ذلك أنّ الذكاء الاصطناعي يعرف المستقبل يقينًا، لبل إنّه يقرأ الأنماط والاحتمالات بسرعة وحجم يعجز البشر عن مجاراتهما. فعلى سبيل المثال، كانت مفاجآت الأرباح سابقًا تؤدّي إلى تحرّكات طويلة الأمد في الأسعار، أمّا اليوم، فتمسح خوارزميات الذكاء الاصطناعي آلاف البيانات فورًا لتُقيّم إنْ كانت نتائج الأرباح ستترك أثرًا دائمًا. وإن اتفقت النماذج، تتغيّر الأسعار بسرعة وحسم، ما يترك هامشًا ضئيلًا للمتداولين البطيئين. لكنّ المفارقة تكمن في الآتي: حين يقع حدث غير متوقّع – كخفض مفاجئ للفائدة أو صدمة جيوسياسية – ويُربك نماذج الذكاء الاصطناعي، قد تكون تحرّكات السوق عنيفة إلى حدّ كبير. إذ إنّ الأنظمة المدفوعة بالذكاء الاصطناعي قد تتفاعل جميعها في اللحظة ذاتها، فتُضخّم من وقع الصدمة الأولى على نحوٍ يتجاوز قدرة المتداولين البشر. إن التحليلات التنبؤية تفتح بُعدًا جديدًا لتأثير الذكاء الاصطناعي في الاقتصاد، وتُعيد تشكيل سلوك الأسواق.

الاستقرار مقابل التقلّبات: مفارقة الذكاء الاصطناعي

ومن هنا تنشأ ما يمكن تسميته "مفارقة الذكاء الاصطناعي AI paradox": في الأيام العادية تنخفض مستويات التقلب، لأن الروبوتات الذكية تُسارع إلى تصحيح الفروقات الصغيرة في الأسعار، مما يجعلها أكثر "ثباتًا" ودقّة. لكن عند وقوع الأحداث والصدمات الكبيرة، ترتفع التقلبات بشكل أكثر حدة و عنفًا. وتزداد مخاوف الجهات التنظيمية من المخاطر التي قد يُخلّفها أثر الذكاء الاصطناعي في الاقتصاد وسلوك الأسواق، خصوصًا عند استجابة النماذج بطريقة متزامنة قد تُفضي إلى انهيارات خاطفة أو نقص مفاجئ في السيولة. ولهذا تعمل هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية (SEC) على وضع قواعد تُلزم الشركات بإثبات أنّ خوارزمياتها لا تتلاعب بالسوق بطريقة غير عادلة، ولا تدفع العملاء إلى صفقات محفوفة بالمخاطر. وستؤثر هذه الرقابة في كيفية استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي مستقبلًا، خصوصًا من قبل شركات الوساطة المالية الموجهة للأفراد.

ما الذي يعنيه الذكاء الاصطناعي للمتداولين الأفراد

والآن، لنتحدّث عنك أنت، المتداول الفرد. أثر الذكاء الاصطناعي هنا ليس أحاديّ الجانب، بل يحمل وجهين. من جهة، تتيح المنصّات المدعومة بالذكاء الاصطناعي للمتداولين الأفراد أدوات تحليل وتوقّع لم تكن متاحة إلا للمؤسسات الكبرى. إذ بات بإمكان النماذج الشبيهة بـ ChatGPT أن تقوم بفرز الأسهم، وتحليل الأخبار، والمساعدة في بناء خطط تداول مدروسة. لكن في المقابل، يعاني المتداول الفرد من ضعف سرعة تنفيذ الصفقات. فبرامج التداول المؤسسية المدعومة بالذكاء الاصطناعي، والتي تستخدم خوادم مخصصة ومتّصلة مباشرة بالأسواق، قادرة على تنفيذ الأوامر خلال أجزاء من الثانية. وعند اشتداد التقلّبات، غالبًا ما يضطر المتداولون الأفراد إلى دفع سبريد أوسع، ويتأخرون في اقتناص الفرص مقارنة بالمؤسسات. ومع ذلك، فإن من يدرك هذا الواقع من المتداولين الأفراد، يمكنه تعديل استراتيجيته. بدلًا من محاولة مجاراة السرعة، من الأفضل التركيز على استراتيجيات تستند إلى الاتجاهات الكليّة، أو تنقّل السيولة بين القطاعات، أو الاستثمارات طويلة الأجل ذات الطابع الموضوعي، وهي مجالات لا تملك فيها خوارزميات الذكاء الاصطناعي السريعة نفس الأثر.

كيف تطوّر وتُكيّف استراتيجيتك في التداول في ظل هيمنة الذكاء الاصطناعي

تأثير الذكاء الاصطناعي في الأسواق لا يقتصر على تحسين الكفاءة، بل يعيد رسم سلوك السوق، ويُغيّر أنماط و استراتيجيات التداول، ويستدعي تحديثات تنظيمية. إليك بعض الطرق العملية للتكيّف مع هذا الواقع الجديد في سوق التداول المدعوم بالذكاء الاصطناعي، انطلاقًا مما تعلّمته:

استبِق الحدث، ولا تكتفِ بردّ الفعل

روبوتات الذكاء الاصطناعي تُسعّر الأخبار فور صدورها تقريبًا. حاول أن تسبق الأحداث بدلًا من أن تردّ عليها فقط. ويعني هذا أحيانًا التخطيط للدخول في الصفقات استنادًا إلى جدول البيانات الاقتصادية، أو الانتباه لتغيّرات دقيقة في المزاج العام قبل صدور الأرقام الرسمية.

استخدم أدوات الذكاء الاصطناعي بحكمة

استخدم المنصّات البحثية المدعومة بالذكاء الاصطناعي لتجاوز الضوضاء واكتشاف الفرص بشكل أسرع، ولكن دون أن تستغني عن تفكيرك النقدي. اجمع بين رؤى الذكاء الاصطناعي وخبرتك في السوق.

نوّع محفظتك الاستثمارية

في بعض الأحيان، تؤدي تحركات السوق المدفوعة بالذكاء الاصطناعي إلى موجات بيع أو شراء متزامنة، مما يزيد من حدّة التقلّبات. تنويع استثماراتك بين فئات الأصول والقطاعات المختلفة يساعد على تقليل المخاطر وحماية رأس المال.

أفكار ختامية: الطريق إلى الأمام

يبدو أنّ دور الذكاء الاصطناعي في عالم المال سيزداد عمقًا وتأثيرًا في السنوات المقبلة. على كل متداول، سواء من الأفراد أو من المؤسسات، أن يُدرك هذا الأثر المتنامي للذكاء الاصطناعي على الاقتصاد، ليعيد ضبط استراتيجياته بما يُواكب تحوّلات السوق ويحافظ على قدرته التنافسية. لذا، استعدّ لنماذج أكثر ذكاءً، وسرعات استجابة أعلى، وأدوات تحليل بيانات أكثر تعقيدًا وتطورًا. ولمن يرى في الذكاء الاصطناعي أكثر من مجرد أداة، بل جزءًا أساسيًا من ديناميكيات السوق، فإن المستقبل يُبشّر بفرص واعدة. مع ذلك، سيظل لحدس المتداول وحكمته مكانة لا يمكن الاستغناء عنها. فالعوامل النفسية في السوق، والأحداث المفاجئة، وتأثير البشر، كلّها تظل عناصر حاسمة في حركة الأسواق. والمفتاح هنا هو أن تجعل من الذكاء الاصطناعي حليفًا قويًا، مع الحفاظ على حدة البصيرة وسرعة البديهة. ومع كل جيل جديد من تقنيات الذكاء الاصطناعي، تتبدّى ملامح تغيّر قد يعيد صياغة قواعد السوق من أساسها، إلى حدّ يُلقي بظلال الشك على كثير مما اعتُمد من معارف وأساليب. لذلك، تأمّل مليًّا في كل معلومة تُقدَّم إليك، وكل خبرة تُروى لك... بما في ذلك هذا الذي بين يديك.

مشاركة

تداوَل مع وسيط موثوق به اليوم