رؤيتي لتأثير رسوم ترامب الجمركية على التجارة العالمية

Inki Cho
كبير استراتيجيي أسواق المال
هل يوشك العالم أن ينزلق إلى ركودٍ اقتصاديٍّ تُطلق عليه الأوساط المالية "ركود ترامب"؟ في ظل استمرار الرسوم الجمركية التي يفرضها ترامب وما تخلقه من اضطراب في منظومة التجارة الدولية، ومع تصاعد حدّة التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، يستعرض المحلل المختص في شؤون التداول، إنكي تشو Inki Cho، الأثر المحتمل لتلك السياسات التصادمية في إعادة تشكيل الأسواق المالية، وسلاسل التوريد، وثقة المستثمرين خلال عام 2025.
لقد أحدثت السياسات الجمركية الصارمة التي انتهجتها إدارة ترامب صدى واسعًا في الأسواق العالمية. فبينما ظنّ كثيرون في البداية أن هذه الرسوم لا تتجاوز كونها ورقة تفاوضية، تجاوز ترامب التوقّعات بفرضه رسومًا جمركية مرتفعة على شركاء تجاريين محوريين. وفي هذا السياق، يبرز تساؤل جوهري: ما أثر استراتيجية ترامب الجمركية في حركة التجارة العالمية خلال عام 2025؟ وما تداعياتها المحتملة على الأسواق المالية بوجه عام ؟
أهم النقاط
- هل تؤدي رسوم ترامب إلى مواجهة تجارية شاملة؟ مع تصاعد الرسوم الجمركية التي فرضتها واشنطن، شهدت سلاسل الإمداد العالمية اضطرابات حادّة، وردّت القوى الاقتصادية الكبرى بإجراءات مضادة. إلى أين يمكن أن يصل هذا التصعيد الاقتصادي؟
- هل تتّجه الولايات المتحدة نحو "ركود ترامب"؟ يحذّر بعض الخبراء من أنّ السياسات التجارية العدوانية وارتفاع التكاليف قد يُبطئان وتيرة النمو الاقتصادي. فهل ستكون هذه الرسوم شرارة لانكماش اقتصادي، أم بوابة لفرص جديدة؟
- هل تزداد حدّة التوتر بين واشنطن وبروكسل؟ تتصاعد حدة النزاع التجاري بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، في وقت تسعى فيه أوروبا للرد على الرسوم الأمريكية الجديدة. فهل ينذر هذا الاشتباك بتبعات اقتصادية طويلة الأمد على الشركات والمستهلكين؟
- كيف ستتفاعل الأسواق المالية مع اضطرابات الرسوم الجمركية؟ من قوة الدولار المتزايدة إلى تقلّبات سوق الأسهم، أحدثت تحركات ترامب التجارية رجّات متتالية في المشهد الاقتصادي. فما الذي ينبغي أن يُراقبه المستثمرون في هذه المرحلة؟
- أي القطاعات ستربح وأيها سيتكبّد الخسائر؟ قد تجني بعض القطاعات الأمريكية ثمار السياسات الحمائية، بينما تواجه قطاعات أخرى انتكاسات حادة. فهل ستكون شركات كبرى مثل آبل وتسلا من بين أكبر المتضرّرين؟
تصاعد التوترات التجارية واضطراب سلاسل الإمداد
خلال حملته الانتخابية الأخيرة، قطع ترامب على نفسه وعودًا بخفض العجز التجاري للولايات المتحدة، وإعادة الوظائف الصناعية إلى الداخل الأمريكي، متعهدًا بإعادة التفاوض على الاتفاقيات التجارية بما يصبّ في مصلحة بلاده، لاسيّما مع كل من الصين وأوروبا وكندا.
واليوم، بدأت الولايات المتحدة في فرض تعريفات جمركية جديدة، ما استدعى ردود فعل مماثلة من الدول المتضررة. وردّت واشنطن بتوسيع نطاق هذه الرسوم، في حلقة من الأخذ والردّ تُلقي بظلالها على سلاسل الإمداد العالمية، وترفع من تكاليف الإنتاج على الشركات، ما يعزّز الضغوط التضخمية.
وإذا استمر ترامب في هذا النهج، فقد يشهد الاقتصاد العالمي مزيدًا من التشرذم التجاري، حيث يُتوقّع أن تكون الصين المتضرر الأكبر، في ظل تدهور مرتقب في العلاقات الصينية-الأمريكية. وقد بدأت بكين بالفعل بفرض رسوم انتقامية، بينما تتجه واشنطن إلى فرض مزيد من العقوبات الجمركية. هذه المواجهة المتصاعدة تدفع العديد من الشركات العالمية إلى إعادة النظر في مواقع مصانعها، مما يسرّع وتيرة الانسحاب من الصين.
ولا تقف التداعيات عند حدود الصين، إذ تتفاقم التوترات التجارية بين الولايات المتحدة وأوروبا كذلك. فبينما سعت إدارة بايدن سابقًا إلى تخفيف الاحتكاك التجاري، أعادت رسوم ترامب الجديدة على الصلب والألمنيوم الأوروبيين إشعال النزاع. وردّ الاتحاد الأوروبي بفرض رسوم بنسبة 50% على الويسكي الأمريكي، في حين هدّد ترامب بفرض تعريفة تصل إلى 200% على النبيذ الفرنسي والأوروبي. وقد تُفضي هذه القطيعة المتنامية إلى إضعاف منظمة التجارة العالمية WTO، ودفع العديد من الدول إلى تبنّي سياسات تجارية حمائية.
أما كوريا الجنوبية واليابان، فليستا بمنأى عن التداعيات المحتملة. فمع اعتماد كوريا الجنوبية الكبير على تصدير أشباه الموصلات والبطاريات، فإن أي قيود أمريكية مشددة على الصين قد تعيق هذه الصناعات. وإذا ما قرر ترامب الضغط على سيول وطوكيو لزيادة إنفاقهما الدفاعي، أو استهدف صناعات محددة بإجراءات تجارية، فقد تتعقّد الأوضاع الاقتصادية والدبلوماسية على حدّ سواء.
ردود فعل السوق والتداعيات المالية
لم تقتصر السياسات الجمركية التي انتهجها ترامب على إعادة رسم خريطة التجارة العالمية، بل تجاوز تأثيرها ذلك ليصل إلى الأسواق المالية، حيث تركت بصمة واضحة وأثراً عميقاً.
صعود الدولار وتقلّبات العملات
عادةً ما تُفضي الزيادات الجمركية إلى تقوية عملة الدولة التي تفرضها، إذ إن ارتفاع كلفة العمليات التشغيلية للشركات الأجنبية قد يُفضي إلى زيادة الطلب على الدولار الأمريكي. وفي أوقات الاضطراب التجاري، يلجأ المستثمرون غالبًا إلى الدولار باعتباره ملاذًا آمنًا، ما يعزز زخمه الصاعد.
عوائد سندات الخزانة الأمريكية
في حال استمرار التوترات التجارية وزيادة الشكوك الاقتصادية، فقد يتّجه المستثمرون نحو سندات الخزانة الأمريكية، ما يضغط على عوائدها نحو الهبوط. ومع ذلك، فإن تفاقم العجز المالي في الميزانية الفيدرالية قد يُنتج أثراً عكسياً؛ إذ قد يؤدي ارتفاع معدلات الاقتراض الحكومي إلى زيادة المعروض من السندات، ومن ثم ارتفاع العوائد. ويبقى المسار النهائي للعوائد رهينًا بتغلب أحد العاملين: النفور من المخاطر، أم المخاوف المرتبطة بالسياسة المالية.
تقلّبات سوق الأسهم
تأثير الرسوم الجمركية في الأسهم الأمريكية ليس أحادي الجانب؛ إذ قد تستفيد بعض القطاعات المحلية، مثل الصناعة والدفاع والطاقة، من السياسات الحمائية التي تنتهجها الولايات المتحدة. إلا أن شركات التقنية الكبرى، لا سيما تلك ذات الامتداد العالمي الواسع، قد تواجه صعوبات حقيقية نتيجة تعطل سلاسل الإمداد، وارتفاع حالة الضبابية التجارية. شركات مثل آبل وتسلا و إنفيديا، التي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالصين، قد تكون الأكثر تأثرًا إذا ما تصاعدت وتيرة الصراع التجاري بين البلدين.
أفكار ختامية
سياسات ترامب الجمركية مرشحة لإحداث تغييرات جذرية في النظام التجاري العالمي، وقد تُفضي إلى تصعيد النزاعات بين الولايات المتحدة وشركائها التجاريين الرئيسيين. ومع تحوّل سلاسل التوريد وارتفاع كلفة التبادل التجاري، قد تتعزز الضغوط التضخمية. أما في الأسواق المالية، فمن المتوقع أن تزداد تقلّبات الدولار، وتتراوح عوائد السندات بين الصعود والهبوط، مع استمرار حالة الغموض في سوق الأسهم. وسيبقى مصير الاقتصاد العالمي والأسواق المالية خلال عام 2025 رهينًا بالخطوات القادمة التي ستتخذها إدارة ترامب على صعيد السياسات التجارية.
مشاركة
مواضيع ذات علاقة
تطبيق Exness Trade
تداول بثقة في أي وقت ومن أي مكان.
التداول ينطوي على مخاطر، والشروط والأحكام نافذة.